28 أكتوبر، 2025
ANEP الثلاثاء 28 أكتوبر 2025

المخزن يحلم بسيادة مزيّفة على الصحراء الغربية أمام صمود شعبٍ يرفض الركوع

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
المخزن يحلم بسيادة مزيّفة على الصحراء الغربية أمام صمود شعبٍ يرفض الركوع

في الوقت الذي يستعد فيه مجلس الأمن للتصويت على تجديد ولاية بعثة المينورسو في الصحراء الغربية، يخرج آلاف الصحراويين من مخيمات اللاجئين بتندوف ليقولوا كلمتهم بصوتٍ واحد: “لن نُباع في صفقة ترامب الجديدة”. مشهد الاحتجاجات التي غمرت المخيمات الجزائرية هذه الأيام، لم يكن مجرد تعبير عاطفي، بل إعلان شعبي واضح بأن محاولات الولايات المتحدة والمخزن المغربي لإحياء خطة “الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية” لن تمر، حتى لو وقّعت عليها كل عواصم الغرب.

الإدارة الأمريكية، التي عُرفت منذ عهد دونالد ترامب بدبلوماسية “الصفقات”، تحاول اليوم تمرير مشروع قرار جديد داخل مجلس الأمن، يمنح المغرب غطاءً دولياً لتثبيت سيطرته على الأراضي الصحراوية، في مقابل وعود اقتصادية واستراتيجية، ليس أولها التطبيع مع الكيان الصهيوني ولا آخرها تسليم ثروات المنطقة من الفوسفات والمعادن النادرة للشركات الأمريكية والغربية. لكن المفارقة أن هذه “الصفقة الدبلوماسية” التي يُراد منها تكريس الأمر الواقع، واجهت في الميدان انتفاضة حقيقية من قلب الشعب الصحراوي نفسه، الذي يذكّر العالم بأنه آخر شعب إفريقي ما زال يعيش تحت نير الاستعمار.

من تندوف إلى السمارة، ومن بوجدور إلى العيون المحتلة، دوّى الصوت نفسه: لا حلّ دون استفتاء يضمن حقنا في الاستقلال. النساء والشباب والمقاتلون القدامى خرجوا في مسيرات حاشدة، متحدّين الحرّ والحرمان، رافعين علم الجمهورية الصحراوية في وجه من يحاول طمس هويتهم تحت لافتة “الواقعية السياسية”. إنها لحظة فارقة تُعيد الصحراء إلى قلب الوجدان العربي والإفريقي، بعد أن حاول المخزن، بمباركة أمريكية وفرنسية، تحويلها إلى ملف إداري مغلق ضمن خرائط المصالح الإمبريالية.

وليس خافياً أن خطة ترامب — التي يُعاد تسويقها اليوم عبر بوابة الأمم المتحدة — ما هي إلا محاولة لإعادة إنتاج نفس السياسة التي اعتمدها في 2020 عندما باع الموقف الأمريكي من قضية الصحراء مقابل توقيع المغرب على اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل. المنطق التجاري نفسه يحكم المعادلة الجديدة: واشنطن تمنح “الاعتراف” السياسي، والرباط تفتح بوابة التطبيع والاستخراج الاقتصادي بلا قيد ولا شرط. إنها صفقة قرنٍ جديدة تُدار من وراء الكواليس، عنوانها الكبير: “النفط والمعادن مقابل الصمت على الاحتلال”.

لكنّ الرياح هذه المرة لا تسير كما تشتهي سفن المخزن. فالموقف الجزائري الثابت، المدعوم من موسكو وبكين، قطع الطريق أمام تمرير أي قرار أحادي في مجلس الأمن يُكرّس الاحتلال. امتناع روسيا عن التصويت على المشروع الأمريكي ليس مجرد خطوة رمزية، بل صفعة استراتيجية تكشف أن العالم لم يعد أحادي القطب كما كان زمن ترامب، وأن ملف الصحراء لم يعد بيد واشنطن وباريس وحدهما. الجزائر، التي طالما دافعت عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، تُثبت اليوم أنها القوة الإقليمية الوحيدة التي تتحدث لغة المبدأ لا لغة الصفقة، وأنها تقف في الضفة المعاكسة تماماً لمنطق الابتزاز السياسي الذي تمارسه الولايات المتحدة باسم “الواقعية الدبلوماسية”.

أما المخزن المغربي، فيحاول عبر إعلامه الرسمي تصوير هذا الضغط الأمريكي كـ”انتصار دبلوماسي”، بينما يدرك الجميع أن ما يجري هو بيعٌ علنيٌّ للسيادة والكرامة، وأن الشعب المغربي نفسه لم يعد مقتنعًا بخرافة “الانتصار” في ملفٍ تحوّل إلى ورقة مساومة بين تل أبيب وواشنطن. فالمخزن لا يدافع عن “مغربية الصحراء” بقدر ما يدافع عن بقاء سلطته تحت مظلة الحماية الغربية، ولو كان الثمن تسليم القرار الوطني وتطبيع الأرض والعقيدة.

في المقابل، يبدو أن الشارع الصحراوي بدأ يستعيد زمام المبادرة من جديد. فهذه المظاهرات الضخمة التي هزّت المخيمات ليست حدثاً عابراً، بل رسالة موجهة إلى مجلس الأمن وإلى العالم أجمع: لن تُفرض علينا حلول مكتوبة في مكاتب واشنطن أو باريس. إن قضية الصحراء ليست نزاعاً حدودياً بين دولتين، بل قضية تصفية استعمار صريحة، لن تُحل إلا باستفتاء حرّ يختار فيه الشعب الصحراوي مصيره بيده.

ترامب، بعقليته التجارية التي حولت السياسة إلى بورصة مصالح، يريد اليوم أن يبرم صفقة جديدة تحت شعار “السلام مقابل التنمية”، بينما الحقيقة أن ما يسعى إليه هو “النهب مقابل الصمت”. لكن هذا الشعب الذي صمد نصف قرن في الصحراء القاحلة، لن يبيع تاريخه مقابل وعد زائف بالاستثمار، ولن يقايض دماء شهدائه بمقعد في منظمة وهمية.

لقد قالها أحد الشباب الصحراويين في المظاهرات الأخيرة: “لا صحراء حرة من دون الصحراويين”. وهذه الجملة تختصر كل ما عجزت عنه مؤسسات الأمم المتحدة في بياناتها المطوّلة: أن الحرية لا تُمنح بالقرارات، بل تُنتزع بالصمود.

رابط دائم : https://dzair.cc/evvf نسخ