22 أكتوبر، 2025
ANEP الأربعاء 22 أكتوبر 2025

المخزن يغتال الأسرى الصحراويين ببطء… والعالم يتفرّج!

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
المخزن يغتال الأسرى الصحراويين ببطء… والعالم يتفرّج!

في سجون المغرب، لا يُوزَّع الدواء إلا إذا كان سامًّا. هذه هي “العدالة” التي يروّج لها المخزن أمام الغرب، وهو نفسه المخزن الذي يرفع شعارات “الإصلاح” و”المصالحة”، بينما يترك مناضلين مثل أحمد سباعي يحتضرون داخل زنازين العار بعد أن أُجبروا على تناول أدوية منتهية الصلاحية! أي انحطاطٍ أشدّ من هذا؟ وأي نفاقٍ أكثر فجاجةً من نظامٍ يروّج نفسه كـ“حليف للغرب” في مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان وهو يمارس أبشع صنوف التعذيب ضد شعب أعزل يطالب بحقه في الحرية والاستقلال؟

سباعي ليس حالة معزولة. هو رقم جديد في قائمة طويلة من الشهداء الأحياء الذين يذوبون ببطء خلف القضبان: البشير خدا، النعمة الأسفاري، عبد الجليل العروسي… أسماء يعرفها الصحراويون جيدًا، ويعرفها أيضًا كل من تواطأ بالصمت في باريس ومدريد وبروكسل. فالجريمة لا تكتمل فقط بالتعذيب، بل بالتواطؤ الدولي الذي يغضّ البصر لأن الجلّاد هو “الحليف الاستراتيجي” في شمال إفريقيا.

منذ مجزرة أكديم إزيك سنة 2010، تحوّلت سجون المغرب إلى مختبر للتجارب النفسية والجسدية على الصحراويين. يُضربون، يُعزلون، يُمنعون من العلاج، ويُجبرون على ترديد الشعار الوهمي المبتذل “الصحراء مغربية” تحت طائلة العقاب. هذا ليس “إصلاحًا”، بل اغتصاب لكرامة الإنسان، تمارسه دولة ترتدي عباءة “الملكية المقدّسة” وتخفي تحتها دولة بوليسية تتغذى على الخوف والولاء الأعمى.

المخزن الذي يدّعي أنه “يبني مستقبلًا مزدهرًا في الأقاليم الجنوبية” هو نفسه الذي يحاصر الصحراويين بالجدران وبالأجهزة الأمنية، ويقايض أوروبا بصمتها مقابل اتفاقيات الصيد البحري والفوسفات. الغرب يعرف كل شيء، لكنه يفضّل النفط والصفقات على العدالة. فمتى كانت حقوق الإنسان أغلى من المصالح الاقتصادية؟

ما حدث مع أحمد سباعي جريمة دولة مكتملة الأركان. إعطاؤه دواءً منتهي الصلاحية ليس خطأً إداريًا، بل محاولة اغتيال بطيئة ومتعمدة، هدفها إرسال رسالة لبقية الأسرى: “الموت هو مصير كل من يعارض المخزن”. وهذه الرسالة وصلت، ولكنها لن تُخيف شعبًا تربّى على مقاومة الاحتلال الإسباني ثم المغربي، ووجد في معاناته هويةً وصمودًا لا يُقهر.

السلطات المغربية تواصل استخدام القضاء كعصا سياسية، والإعلام الرسمي كمغسل للجرائم، والسفارات كأدوات لتبييض الانتهاكات في الخارج. ومع ذلك، فإن الحقيقة بدأت تنفلت من بين أيديهم. لم يعد بإمكان باريس ولا مدريد أن تغطيا على الروائح النتنة المنبعثة من زنازين القنيطرة وتيفلت وسلا. إنهم يدفنون الصحراويين أحياء، بينما يتحدثون عن “الجهوية المتقدمة” و”الاستثمارات في الداخلة”!

لقد آن الأوان للمجتمع الدولي أن يعترف بأن ما يجري في الصحراء الغربية هو نظام فصل عنصري استعماري يمارسه المغرب بغطاء أوروبي وصمت أممي. لا يمكن الحديث عن “حلّ سياسي” في ظل وجود مئات المعتقلين السياسيين يتعرضون للتعذيب، ولا يمكن لأي “إصلاح ملكي” أن يغسل يدًا ملطخة بدماء الصحراويين.

كلما تحدّث المخزن عن التنمية في “الأقاليم الجنوبية”، تذكّروا وجه أحمد سباعي وهو يحتضر في زنزانته. فهناك، في العتمة، تظهر حقيقة المملكة المخزنية: دولة تخشى الحرية أكثر من الفقر، وتخاف من جيلٍ يؤمن بأن الكرامة لا تُشترى بالوعود ولا بالمخدرات السياسية التي يوزّعها النظام على شعبه كل موسم غضب.

الصحراويون لا يطلبون المستحيل، بل يطالبون بحقٍ وعدت به الأمم المتحدة سنة 1991: استفتاء تقرير المصير. لكن يبدو أن المخزن يفضل دفن هذا الحق في الزنازين، مع أجساد المناضلين الذين كسروا جدار الصمت.
ومهما طال الليل، فإن دم أحمد سباعي لن يضيع سدى، لأن الشعوب التي تُعذَّب لا تموت، بل تتحول إلى ضميرٍ يقظٍ يُلاحق الجلّادين حتى وهم يلبسون بدلاتهم الفاخرة أمام عدسات الغرب المنافق.

رابط دائم : https://dzair.cc/47kh نسخ