13 أكتوبر، 2025
ANEP الاثنين 13 أكتوبر 2025

المخزن يُغرق أبناءه: حين يدفع الإهمال القاصرين إلى السباحة نحو المجهول

تم التحديث في:
بقلم: أحمد عاشور
المخزن يُغرق أبناءه: حين يدفع الإهمال القاصرين إلى السباحة نحو المجهول

مرة أخرى، يُطلّ البحر على المأساة المغربية.
عشرات القاصرين المغاربة يرمون بأنفسهم في مياه سبتة الباردة، يسبحون حفاةً من الأمل، عُراةً من المستقبل، بينما المخزن منشغل بتلميع الواجهة وتزيين الأرقام.
هؤلاء الأطفال لا يهاجرون فقط من الفقر، بل يهربون من منظومةٍ خانتهم، من دولةٍ صارت ترى فيهم عبئًا بدل أن تراهم طاقةً وطنية.

في نهاية الأسبوع الماضي، وصل نحو ثلاثين قاصرًا إلى سبتة المحتلة عبر البحر، في مشاهد موجعة اختصرت مأساة جيلٍ بأكمله. أحدهم بكى وهو يُنتشل من الماء، آخر ابتسم حين وطأت قدماه اليابسة، وثالث حاول العودة إلى البحر لأن “العودة إلى المغرب أسوأ من الغرق”، كما نقلت شهادات محلية.
أيّ وطنٍ هذا الذي يُفضَّل عليه البحر؟

السلطات المغربية، كعادتها، سارعت إلى تطويق الغابات واعتقال المهاجرين، ونقل المئات إلى مدن الداخل. لكن لا بيان رسمي تحدث عن السبب الحقيقي: لماذا يتحوّل البحر إلى خيارٍ جماعيٍ للشباب؟
لأن سياسات المخزن خلقت فراغًا قاتلًا بين المواطن والدولة.
المدرسة تهمّشت، والمستشفى انهار، وفرص الشغل تحوّلت إلى امتيازات محسوبة على الولاءات.

المخزن الذي يُغدق الملايير على المهرجانات، ويبني ملاعب فخمة تحت عدسات الكاميرات، هو نفسه الذي ترك آلاف الأطفال ينامون في الشوارع دون مأوى ولا أمل.
وعندما يسبح هؤلاء نحو سبتة، لا يبحثون عن أوروبا بقدر ما يبحثون عن كرامةٍ مفقودة.

إنّ المأساة اليوم ليست في الغرق، بل في اللامبالاة الرسمية.
حين تصبح الهجرة الجماعية حلمًا وطنيا، وحين يصفق الإعلام الرسمي لكل إنجاز كروي بينما الأطفال يسبحون إلى الخارج، فاعلم أن الخلل لم يعد اجتماعيا فقط، بل أخلاقيا وسياسيا.

المخزن يتحمل كامل المسؤولية:
لأنه جعل البحر بديلاً عن المدرسة، واليأس بديلاً عن الأمل، والقوارب بديلاً عن السياسات.
ولأنّه لم يُدرك بعد أنّ الأمن الحقيقي لا يتحقق بالدرك والحدود، بل بالكرامة والعدالة والمساواة.

ما حدث في سبتة ليس حادثًا عابرًا، بل حكمٌ قاسٍ من جيلٍ على نظامٍ لم يعد يقنعه.
إنها ليست موجة هجرة جديدة، بل استفتاء بالسباحة على فشل دولة المخزن في حماية أبنائها.

وما لم يُفتح هذا الملف بجرأة ومسؤولية، فسيستمر البحر في بلع الأطفال، وسيتحوّل الوطن إلى رصيف انتظارٍ طويل نحو المجهول.

رابط دائم : https://dzair.cc/iy6b نسخ