الثلاثاء 17 جوان 2025

المغرب: اتساع دائرة الرفض بعد منع سلطات المخزن الأفراد والجمعيات من التبليغ عن الفساد

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
المغرب: اتساع دائرة الرفض بعد منع سلطات المخزن الأفراد والجمعيات من التبليغ عن الفساد

حُرم الشاب المغربي يوسف الوردي من فرصة الاستفادة من محل تجاري في سوق الصالحين بمدينة سلا، رغم امتلاكه سابقاً مقهى في هذا السوق قبل إعادة تأهيله. ويشير الوردي إلى أن مشروع إعادة تأهيل السوق، الذي انطلق عام 2017 بتوجيهات ملكية لتحويله إلى بنية تجارية حديثة، شهد تسليم 1483 محلاً سنة 2022، بينما تم إقصاء 36 تاجراً، وبينهم هو، على حد تعبيره، رغم أحقيتهم.

لجأ الوردي وزملاؤه إلى القضاء بشكوى تتهم بوجود خروقات وبيع محلات لأشخاص لم يكونوا من أبناء السوق الأصليين مقابل مبالغ مالية. غير أن ملف القضية لا يزال عالقاً منذ خمس سنوات.

**القضية في سياق القانون**

جاء الوردي محملاً بالغضب والحسرة لينضم إلى وقفة احتجاجية أمام البرلمان، دعت إليها جمعية “حماية المال العام”، للتنديد بمشروع قانون يُتهم بأنه يقيد حرية الأفراد والجمعيات في التبليغ عن جرائم الفساد المالية. ردد المحتجون، من مواطنين وحقوقيين، شعارات تدين الفساد والرشوة.

في 20 مايو الماضي، صادق مجلس النواب على مشروع قانون “المسطرة الجنائية” بعد نقاش وجدال بين الأغلبية والمعارضة. وما زال الجدل قائماً حول المشروع، خاصة المواد الثالثة والسابعة منه.

المادة الثالثة تنص على أن الأبحاث وإقامة الدعاوى في الجرائم المتعلقة بالمال العام لا تُتم إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيساً للنيابة العامة. وذلك بناءً على إحالات محددة من مؤسسات معينة، مثل المجلس الأعلى للحسابات وهيئة النزاهة ومحاربة الفساد.

أما المادة السابعة فتقيد حق الجمعيات في تقديم الشكاوى ليقتصر على تلك الحاصلة على الاعتراف بصفة المنفعة العامة والإذن من وزارة العدل.

تمت إحالة المشروع إلى مجلس المستشارين في 26 مايو الماضي، ولن يصبح نافذاً إلا بعد مناقشته والمصادقة عليه هناك ونشره في الجريدة الرسمية.

**ردود فعل وانتقادات للمشروع**

محمد الغلوسي، رئيس جمعية حماية المال العام ومحامي بهيئة مراكش، أعرب في حوار مع الجزيرة نت عن قلقه العميق من المادة الثالثة بالمشروع. ووصفها بأنها تراجع خطير عن المكتسبات المحققة في مكافحة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة. واعتبر أن حصر تحريك الدعاوى بتقارير رسمية يقصي دور المواطنين والمجتمع المدني ويخالف التشريعات المتعلقة بحماية المبلغين والشهود في قضايا الرشوة والاختلاس.

ويضيف الغلوسي أن مثل هذه القوانين تأتي في ظل تقارير مقلقة دولية ووطنية تشير إلى تزايد انتشار الفساد في المغرب، مما يجعلها تبدو وكأنها خطوة لإبطاء جهود مكافحة الظاهرة بدلاً من تعزيزها.

تقرير منظمة الشفافية الدولية صنّف المغرب مؤخراً في المرتبة 37 من أصل 180 دولة بمؤشر إدراك الفساد. كما كشف تقرير الهيئة الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد أن كلفة الفساد السنوية تصل إلى 50 مليار درهم (نحو 5 مليارات دولار).

نبيل الأندلسي، رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، اعتبر أن تقييد دور الجمعيات في تقديم الشكايات يمثل تراجعاً مقلقاً للمسار الديمقراطي والحقوقي بالمغرب. وأكد للجزيرة نت أن هذا القرار يضعف قدرة المجتمع المدني على الرقابة والتبليغ عن الفساد والاختلالات. كما أضاف أن ذلك يثير تساؤلات جدية حول مدى التزام الحكومة بمبادئ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة

من جهته، اعتبر المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن التعديلات الواردة في مشروع القانون تُشكّل قيودًا غير مبررة، وتتناقض مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. وفي اتجاه مشابه، رفضت الهيئة الوطنية للنزاهة هذه التعديلات، معتبرة أنها تثير تحديات دستورية وقانونية.

وفي هذا السياق، أوضح أستاذ القانون الدستوري عبد الحفيظ اليونسي أن المادتين الثالثة والسابعة في مشروع القانون تتعارضان مع الفصلين 12 و13 من الدستور، اللذين يضمنان للمجتمع المدني حق المشاركة في إعداد السياسات العمومية وتنفيذها وتقييمها، بما يشمل مكافحة الفساد. ووصف ذلك بأنه تراجع واضح عن مبادئ الدستور الخاصة بالديمقراطية التشاركية.

وأشار اليونسي في تصريحاته إلى أن هذا النهج يمثل خرقًا لالتزامات المغرب الدولية، خاصة الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي صادق عليها المغرب عام 2008، وتدعو إلى إشراك المجتمع المدني في جهود الوقاية من الفساد ورقابة إدارة الشأن العام. وأكد أن هذه المواد لا تنطوي فقط على مخالفة دستورية، بل تعتبر أيضًا تراجعًا عن نصوص مثل المادة 110 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية التي تتيح تلقي تقارير الجمعيات المهتمة بقضايا العدالة، إضافة إلى كونها خرقًا لروح الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد الممتدة من 2015 إلى 2025.

في المقابل، شدد وزير العدل عبد اللطيف وهبي خلال مناقشات مجلس النواب على أهمية حصر حق التبليغ عن قضايا الجرائم المالية بالمؤسسات العامة المخول لها بذلك قانونيًا، ورفض مقترحات المعارضة المتعلقة بهذا الملف. وأكد وهبي على ضرورة تقييد التبليغ عن جرائم المال العام بمنطق “عقلنة” هذا الإجراء، مشيرًا إلى أن الإحصائيات بيّنت أن عددًا كبيرًا من البلاغات التي تتلقاها الجهات القضائية والأمنية هي وشايات كيدية تهدف إلى إيذاء الأشخاص وإضعاف الثقة من خلال تحقيقات عديمة الجدوى ومساس بسمعتهم.

نبيل الأندلسي، رئيس منتدى كرامة لحقوق الإنسان، أكد وجود بعض الانحرافات من قبل جمعيات تستغل القانون لتقديم شكايات كيدية. لكنه يرى أن الحل لا يكمن في تقليص صلاحيات جميع الجمعيات وفرض قيود تعجيزية عليها كما ورد في المادة الثالثة، والتي تشترط امتلاك صفة المنفعة العامة التي حصلت عليها فئة قليلة من الجمعيات بموجب المادة السابعة.

من جانبه، اعتبر محمد الغلوسي، رئيس جمعية حماية المال العام، أن الهدف الحقيقي لهذا التوجه لا يتعلق فقط بتقييد البلاغات أو حماية المسؤولين والمنتخبين من الابتزاز، بل يرتبط بأجندات أوسع تسعى إلى إعاقة مسار مكافحة الفساد. وأشار إلى تعطيل قوانين مهمة، مثل قانون منع الإثراء غير المشروع والإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد واللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، علاوة على تجميد قوانين أساسية أخرى متعلقة بالحياة العامة.

في ظل هذه التحولات، تنسق منظمات حقوقية جهودها لتأسيس تحالف مدني قوي يُعبّر عن رفض مشروع القانون ويساند المطالب الشعبية في مواجهة الفساد. وأكد الغلوسي أن جمعيته تواصلت مع لجنة العدل والتشريع في مجلس المستشارين لعرض وجهة نظرها حول مشروع القانون قبل بدء مناقشته بشكل رسمي. كما تراهن هذه المنظمات على المحكمة الدستورية لإسقاط المشروع إذا تعارض مع مقتضيات الدستور.

رابط دائم : https://dzair.cc/yksq نسخ