المغرب على مفترق الطرق: ما بين الوعود التنموية وغضب الشارع… مساهمة للكاتب والصحفي فوزي سعيداني

فوزي سعيداني – كاتب وصحفي

في أزقة الدار البيضاء المكتظة، وفي مقاهي الرباط التي تمتلئ بشبابٍ يحملون شهاداتهم بين أيديهم وقلوبهم بين أضلع الانتظار، يعلو سؤال بسيط لكنه مؤلم: إلى أين يتجه المغرب؟

سؤال لم يعد يُطرح في الصالونات السياسية فقط، بل أصبح على ألسنة المواطنين، بعد أن تراكمت الأزمات وتحوّل الصبر الشعبي إلى غضبٍ متزايد.

اقتصاد يترنح بين الأرقام والواقع

رغم إعلانات الحكومة المتكررة عن “نموٍّ اقتصادي مشجع”، إلا أن التقارير الدولية تكشف صورة مغايرة. فوفقًا لتقرير البنك الدولي لعام 2025، بلغ معدل النمو 3.8٪ في 2024 مع توقعات ببلوغه 4.4٪ في 2025، غير أن هذا النمو لا ينعكس فعليًا على حياة المواطنين، إذ ظلّ العجز المالي عند حدود 3.9٪، وبلغ الدين العمومي حوالي 70٪ من الناتج المحلي الإجمالي.

كما لم تتجاوز الاحتياطيات النقدية الأجنبية ما يغطي خمسة أشهر من الواردات، وهو رقم يثير قلق المؤسسات المالية الدولية. وإلى جانب الأرقام، تتزايد تكلفة المعيشة بشكل غير مسبوق. فأسعار الوقود والمواد الأساسية ارتفعت، ما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية للطبقة الوسطى التي تشكّل عماد الاستقرار الاجتماعي.

جيل ينتظر دوره… بطالة تلتهم الحلم

بينما تواصل الجامعات المغربية تخريج عشرات الآلاف من الطلبة سنويًا، يبقى سوق العمل مغلقًا أمامهم.

بحسب موقع Trading Economics، بلغ معدل البطالة العام 12.8٪ في منتصف 2025، فيما تجاوزت بطالة الشباب 35٪، ووصلت إلى 19٪ بين خريجي الجامعات وفق وكالة رويترز.

هذه الأرقام تعني ببساطة أن آلاف الكفاءات تقف على الهامش، في انتظار وظيفة قد لا تأتي، ما أدى إلى تفاقم الهجرة والاحتقان النفسي والاجتماعي لدى فئة الشباب.

“جيل Z 212”… شرارة وعي سياسي جديد

في خريف 2025، أطلق شباب مغاربة عبر مواقع التواصل حملة تحت شعار “جيل Z 212”، احتجاجًا على الفساد وتردّي الخدمات الصحية والتعليمية. التحرك بدأ رقميًا، ثم تحوّل إلى مظاهرات ميدانية في الرباط والدار البيضاء وطنجة وأكادير.

وبحسب وكالة الأسوشيتد برس (AP)، جاءت الشرارة بعد وفاة ثماني نساء في مستشفى بأكادير نتيجة ضعف التجهيزات الطبية، ما أشعل موجة من الغضب الشعبي.

الاحتجاجات وُوجهت بعنف أمني، وأسفرت عن وفاة 03 أشخاص وإصابة المئات، إضافة إلى توقيف أكثر من 400 متظاهر، بينهم طلاب وصحفيون.

ويرى مراقبون أنّ هذه الحركة ليست عابرة، بل تعبّر عن وعي سياسي جديد لدى الشباب، لم تعد تغريه الشعارات، بل يطالب بإصلاحات فعلية تمسّ جوهر الدولة والمجتمع.

ضغوط دبلوماسية وشبهات تجسس

خارجيًا، يواجه المغرب توترًا في علاقاته مع فرنسا وإسبانيا بسبب ملفات الهجرة والصحراء الغربية.

كما أثارت تقارير إعلامية ودبلوماسية حديثة قضايا تتعلق بالتجسس والاختراق الإلكتروني داخل مؤسسات حساسة، ما زاد من الشكوك حول أمن الدولة الرقمي.

في المقابل، تسعى الرباط إلى توسيع تحالفاتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة وإسرائيل والصين، في محاولة لإعادة التوازن إلى سياستها الخارجية، لكن هذه التحالفات لا تخلو من الجدل الداخلي.

المجتمع بين الفقر والمخدرات

في الأحياء الشعبية من فاس إلى وجدة، تتحدث الجمعيات المدنية عن اتساع رقعة الفقر وانتشار المخدرات بين الشباب.

ويرجع مختصون هذه الظواهر إلى غياب بدائل اقتصادية حقيقية وغياب سياسات شبابية فعالة، ما جعل فئات واسعة من المجتمع تبحث عن خلاصٍ مؤلم في الإدمان أو الهجرة غير النظامية.

المراجع والمصادر:

1. البنك الدولي – تقرير الأداء الاقتصادي للمغرب 2025 (World Bank Morocco MPO 2025).

2. وكالة رويترز – “Youth-led unrest exposes cracks in Morocco’s economic model”، أكتوبر 2025.

3. وكالة الأسوشيتد برس – “Gen Z protests are shaking Morocco. Here’s what to know”، سبتمبر 2025.

4. منظمة العفو الدولية – بيان حول استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين الشباب في المغرب، أكتوبر 2025.

5. موقع Trading Economics – مؤشرات البطالة في المغرب، الربع الثاني 2025.

6. تقرير شركة Coface – تقييم المخاطر الاقتصادية في المغرب لعام 2025.

7. جريدة الغارديان البريطانية – “First deaths in Morocco’s youth-led anti-government protests”، أكتوبر 2025.