الأحد 29 جوان 2025

“الوعد الصادق 3”: معركة الردع الشامل ورسائل ما بعد الصواريخ… بقلم: د. هناء سعادة

نُشر في:
بقلم: د. هناء سعادة
“الوعد الصادق 3”: معركة الردع الشامل ورسائل ما بعد الصواريخ… بقلم: د. هناء سعادة

جاءت عملية “الوعد الصادق 3” كعلامة فارقة في مشهد المواجهة المفتوحة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني، في ظل دعم غير مشروط من واشنطن وعواصم غربية نافذة.

لم تكن العملية مجرد ضربة صاروخية عابرة، بل شكّلت تحوّلًا إستراتيجيًا في معادلة الردع الإقليمي، ورسّخت قواعد اشتباك جديدة تُحاكي تطور القدرات الإيرانية في المجالات العسكرية والأمنية والسياسية، كما حملت رسائل مدوّية إلى الحلفاء والخصوم في آن معًا.

فعلى المستوى العسكري، أعادت إيران التأكيد على احتفاظها بزمام المبادرة عبر ضربات صاروخية دقيقة استهدفت عمق الكيان المحتل، بما في ذلك مواقع حسّاسة، وذلك حتى اللحظة الأخيرة قبيل دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ.

لقد أرسلت طهران إشارات واضحة بأن ترسانتها الصاروخية لم تُستنزف، بل ما زالت قادرة على بلوغ أهداف إستراتيجية في أي وقت. وتزامن هذا مع تأكيدات رسمية على التقدّم المستمر في البرنامج النووي، بما في ذلك الحفاظ على مخزون اليورانيوم المخصّب، في تحدٍّ مباشر لضغوط القوى الغربية ومحاولات الابتزاز الدبلوماسي والعسكري.

أما على الصعيد الأمني، فقد كشفت طهران عن توجيه ضربات نوعية لشبكات تجسس تابعة للموساد داخل الأراضي الإيرانية، في ما اعتُبر ضربة قاصمة لحرب الظل التي طالما راهن عليها العدو. مثّلت هذه العملية، من وجهة نظر الداخل الإيراني، دليلًا على يقظة الأجهزة الأمنية وكفاءتها، أما خارجياً، فقد حملت رسالة واضحة: ساحة إيران ليست مكشوفة، والموساد لم يعد يتحرّك بحرية.

لم تقتصر آثار “الوعد الصادق 3” على الميدان العسكري، بل امتدت إلى الفضاء المعنوي والنفسي، حيث عمدت طهران إلى ترسيخ شعور الخوف والارتباك داخل الأراضي المحتلة، وإلى بثّ الإحباط في صفوف المعارضة الخارجية، عبر إظهار صلابة الموقف الرسمي والقدرة على الرد. ولعل أبرز ملامح هذا البُعد النفسي جاء على لسان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي صرّح صراحة بأنه “أنقذ إسرائيل”، في إقرار ضمني بحجم الهشاشة التي بات يعانيها الكيان أمام أي تصعيد إيراني مدروس.

لم تعُد هذه الصورة التي رُسمت تعبّر عن “إسرائيل” كقوة إقليمية متفوقة، بل ككيان بات بحاجة إلى مظلة أميركية دائمة لصدّ الردود الإيرانية، وهو بحد ذاته اختراق ناعم في مفاهيم التفوّق والتوازنات السائدة منذ عقود.

إقليميًا، كانت الرسالة الأوضح موجهة إلى الدول الخليجية المستضيفة للقواعد الأميركية، لا سيما الضربة التي استهدفت قاعدة “العديد” في قطر. لم تكن هذه الضربة استعراض قوة، بل إنذار فعلي بأن أي تحالف عسكري مع واشنطن لا يضمن الأمن، بل قد يجلب الدمار. والرسالة التي أرادت طهران توصيلها للأميركيين وحلفائهم فحواها: لا ملاذ آمن، ولا خطوط حمراء إذا تعرّض الأمن القومي الإيراني للخطر، حتى وإن كنتم في دولة تصفها إيران بـ”الصديقة”.

أما داخليًا، فقد وظّفت القيادة الإيرانية العملية لتعزيز مفهوم “الأمن الجماعي”، حيث جرى تسليط الضوء على الوحدة الوطنية، وثقة الشعب بالقيادة والجيش والحرس الثوري، بوصفهم درع الأمة وحصنها المنيع. وتُقرأ هذه العملية ضمن سياق تعزيز “المقاومة النشطة” باعتبارها النموذج الوحيد القادر على مواجهة مشاريع الهيمنة والاستكبار.

في المحصلة، أثبتت “الوعد الصادق 3” أن المعارك الحديثة لا تُقاس فقط بعدد الصواريخ أو دقة الإصابة، بل بمدى قدرتها على زعزعة المعنويات، وفرض قواعد اشتباك جديدة، وقلب الطاولة في لحظة فارقة. لقد تحوّلت إيران، في نظر الكثيرين، من طرف إقليمي يُحاصَر، إلى قوة فاعلة تُرهب، وتفرض إيقاعها على خصومها، وتعيد هندسة المعادلات من جديد.

ومهما قيل عن حجم الخسائر المادية أو محدودية التصعيد، فإن الواقع الاستراتيجي الذي أعقب “الوعد الصادق 3” لا يمكن تجاهله: الردع الإيراني لم يعد افتراضيًا، بل صار معادلة مكتملة الأركان، تمضي بثبات في معركة طويلة النفس، اسمها السيادة، وهدفها قلب موازين المنطقة لصالح مشروع مقاوم، لا يزال ينبض في وجه الطغيان العالمي.

رابط دائم : https://dzair.cc/all3 نسخ