11 أكتوبر، 2025
ANEP السبت 11 أكتوبر 2025

بعد خطاب الملك الباهت والمحبط.. جيل زد يقرّر التصعيد وعدم العودة إلى الوراء

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
بعد خطاب الملك الباهت والمحبط.. جيل زد يقرّر التصعيد وعدم العودة إلى الوراء

لم يكن خطاب الملك محمد السادس أمام البرلمان سوى صدى باهتٍ لعقودٍ من الكلام الجميل الذي لم يُترجم يومًا إلى أفعال. بينما كانت شوارع المغرب تغلي، وعيون الشباب مشتعلة بالأمل الأخير في أن يسمعهم الملك، جاء الخطاب كصفعة أخرى: صمتٌ عن الاحتجاجات، تجاهلٌ لصرخات جيلٍ كامل، وتأكيدٌ مكرور على “العدالة الاجتماعية” التي لم يرَ أحد ملامحها بعد.

في اللحظة التي كان فيها ملايين المغاربة ينتظرون إشارة واحدة من العرش، اكتفى محمد السادس بدروسٍ في “الكفاءة والمثابرة”، وكأنّ المشكلة في الشعب الذي يحتج، لا في نظامٍ أنهك الكرامة وأفرغ الدستور من روحه.
جيل زد، الذي اجتمع على منصة “ديسكورد” ليصيغ مطالبه في وثيقة دقيقة، لم يطلب المستحيل: حرية التعبير، محاسبة الفاسدين، إصلاح التعليم والصحة، وربط المسؤولية بالمحاسبة. لكن الردّ الرسمي جاء صامتًا، بل مستفزًا، وكأنّ القصر يعيش في كوكب آخر.

القصر يتحدث بلغة الماضي… والشباب بلغة المستقبل

المفارقة مؤلمة: ملكٌ يتحدث عن مشاريع الملاعب ومونديال 2030، بينما يموت الناس في مستشفيات بلا أطباء، وتُدفن أحلام الشباب تحت بطالةٍ وصلت إلى 47%.
أين هو “الاستثمار في الإنسان” الذي تغنّى به نظام المخزن منذ 20 عامًا؟
لقد فهم الشباب الرسالة جيدًا: الأولويات ليست لهم، بل لـ”الصورة الدولية” التي يحاول المخزن تسويقها. ولذلك كان ردّهم واضحًا وحاسمًا: “سنصعّد”، كما جاء في بيان “جيل زد 212” الذي دعا إلى استمرار المظاهرات، مقاطعة منتجات الفاسدين، ورفض التراجع حتى تتحقق المطالب.

خيبة الأمل تتحول إلى وعي سياسي

إنها ليست مجرد احتجاجات شبابية؛ إنها ولادة وعيٍ سياسي جديد في بلدٍ حاولت السلطة أن تحكمه بالخوف والصمت.
جيل لم يعش سنوات الرصاص، ولم يُربَّ على الطاعة، بل على حرية الإنترنت وسرعة التواصل، يواجه اليوم ملكًا لم يفهم بعد أن شرعية الحكم لا تُبنى على الصورة، بل على الإصغاء.

من السذاجة الاعتقاد أن هذه الحركة ستنتهي قريبًا. فكما قال أحد النشطاء في ختام نقاشٍ على “ديسكورد”: “لم نخرج لنُسقِط الملك، بل لنُسقِط الخوف”.
وهذه الجملة وحدها أخطر على المخزن من كل الشعارات التي رُفعت في شوارع الرباط وطنجة وفاس.

مملكة تتآكل من داخلها

قد لا تكون نهاية العهد قريبة، لكن نهاية الثقة بدأت بالفعل. فحين يعجز رأس الدولة عن مخاطبة جيل المستقبل، فإن الخطر لا يكمن في المظاهرات، بل في الفراغ القيمي الذي تتركه السلطة خلفها.
محمد السادس لا يواجه احتجاجات، بل مواجهة تاريخية مع ذاته: إما أن يُصغي إلى صوت الشباب، أو أن يُسجَّل في ذاكرة جيلٍ بأكمله كملكٍ صمّ أذنيه عن نبض بلده.

لقد تغيّر المغرب، ولم يعد شباب جيل زد ينتظرون الخلاص من فوق.
إنهم يكتبون فصلاً جديدًا بوسائلهم الخاصة، بوعيهم الجمعي، بلغتهم الرقمية، وبإصرارٍ لم تعرفه الأنظمة التقليدية من قبل.
الملك تحدث… لكن الشارع هو الذي صار يكتب التاريخ.

رابط دائم : https://dzair.cc/pfzu نسخ