14 أكتوبر، 2025
ANEP الثلاثاء 14 أكتوبر 2025

بين صمت المخزن وصوت الريف: الزفزافي يبعث من خلف القضبان رسالة الحرية إلى الشباب المنتفض

تم التحديث في:
بقلم: أحمد عاشور
بين صمت المخزن وصوت الريف: الزفزافي يبعث من خلف القضبان رسالة الحرية إلى الشباب المنتفض

في الوقت الذي تتصاعد فيه أصوات الشارع المغربي مطالبة بالإفراج عن معتقلي الحركات الاجتماعية، وعلى رأسهم قادة حراك الريف، أطلّ ناصر الزفزافي من خلف الأسوار برسالة قصيرة لكنها حملت من القوة ما يكفي لإرباك المشهد السياسي الراكد. قال الزفزافي في رسالته التي نقلها شقيقه طارق: “حريتنا مرهونة في قاموسهم بالصمت والخضوع، وهذه خيانة للوطن المقدس، لا يمكننا أن نقبلها حتى ولو فُصِّلت أطراف أجسادنا عن بعضها، الوطن أولاً وأخيراً”. كانت هذه الكلمات بمثابة تذكير بأن الحرية في المغرب لا تُمنح، بل تُنتزع، وأن الصمت لم يكن يوماً طريقاً للكرامة.

تأتي رسالة الزفزافي في لحظة دقيقة يتقاطع فيها التاريخ بالحاضر، حيث عادت حركة “جيل زد 212” لتفتح الجرح القديم، جرح الريف الذي لم يلتئم بعد. هذه الحركة الشبابية التي خرجت مطالبة بتحسين التعليم والصحة ومحاربة الفساد، جعلت من قضية معتقلي الريف رمزاً لنزاهة العدالة المفقودة في البلاد. شباب لم يعيشوا تفاصيل أحداث 2017، لكنهم يحملون اليوم الشعلة نفسها التي حملها أبناء الريف قبلهم، ويطالبون بالحرية نفسها التي حُرم منها الزفزافي ورفاقه. إنها إشارة واضحة إلى أن الذاكرة الاحتجاجية في المغرب لم تمت، بل نضجت وتحوّلت إلى وعي جمعي جديد.

لقد تحوّل ناصر الزفزافي من متهم بالتحريض إلى رمز وطني يعبّر عن كرامة مهدورة وصوت مقموع. رسالته ليست مجرد موقف شخصي، بل وثيقة احتجاجية من داخل السجن ضد ثقافة الخضوع التي تُحاول سلطة المخزن تكريسها داخل الشعب المغربي. إن تمسكه بالمبدأ رغم السجن الطويل، يجعل منه نموذجاً للمقاومة السلمية الصامدة، ورسالة مفتوحة لكل من ظن أن الحديد يمكن أن يسجن الكلمة.

ورغم كثرة الدعوات الحقوقية والسياسية المطالبة بالعفو أو بفتح باب التسوية، ما زال التردد الرسمي قائماً، وكأن الإفراج عن معتقلي الريف يُعدّ ضعفاً سياسياً. لكن العكس هو الصحيح: استمرار احتجازهم هو ما يُضعف نظام المخزن ويهزّ عرش محمد السادس ويُظهر عجزهما عن إدارة الخلاف بطريقة ناضجة وديمقراطية. ففتح هذا الملف اليوم لم يعد شأناً حقوقياً فحسب، بل ضرورة سياسية لاستعادة الثقة المفقودة بين المواطن ومؤسساته، لكن لا يبدو أن خطوة كهذه قد تكون في نية المخزن ولا القصر.

الزفزافي اليوم لم يعد صوت الريف فقط، بل صوت المغرب العميق الذي يرفض الصمت والخضوع، ويصرّ على أن يكون الوطن مساحة للكرامة لا للخوف. إن رسالته تذكير مؤلم بأن الوطن لا يُبنى على المديح، بل على الجرأة في قول الحقيقة، وأن من يكمم الأفواه يزرع في الأرض بذور الغضب. وإذا كانت السلطة تراهن على النسيان، فإن الأجيال الجديدة تُعيد كتابة الذاكرة من جديد بلغة أكثر وعياً وإصراراً.

ربما ما زال الزفزافي خلف القضبان، لكن صوته خرج منها ليعيد تعريف معنى الوطنية في مغرب اليوم بعيدا عن خزعبلات أبواق المخزن التي تطلق أكاذيبها بإيعاز من المخزن. الوطن الحقيقي ليس من يطلب الصمت، بل من يحتمل الحقيقة. وما دام في الريف من يرفض أن يصمت، فإن الجمهورية التي أسسها الشيخ محمد عبد الكريم الخطابي لم تمت بعد.

رابط دائم : https://dzair.cc/pmhe نسخ