الجمعة 21 نوفمبر 2025

بين عفوية تقبيل الجبين… وإجبار على “بوس” اليدين… بقلم معمر قاني

نُشر في:
بقلم: معمر قاني
بين عفوية تقبيل الجبين… وإجبار على “بوس” اليدين… بقلم معمر قاني

في المشهد السياسي المغاربي، تظهر الفوارق أحياناً بدون حاجة إلى شرح مطوّل. يكفي أن ترى كيف يستقبل الشعب قائده، وكيف يقترب المواطن من رئيسه، لتفهم العلاقة الحقيقية بين الحاكم والمحكوم: هل هي علاقة محبة وانتماء؟ أم علاقة خوف وإكراه؟

الجزائر: محبة تنبع من الشعب… لا تُفرض ولا تُشترى

خلال زيارة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى قسنطينة أمس الخميس، شاهد الجميع صوراً عفوية لشباب يندفعون نحوه بحماس، يلوّحون له، يهتفون باسمه، وبعضهم يقترب ليقبّل جبين الرئيس بكل تلقائية، لا بروتوكول يقيّدهم، ولا يدّ تُمدّ لهم ليفرض عليهم الانحناء، ولا كاميرات رسمية تأمرهم بما يجب فعله.

كانت صور قسنطينة مرآة واضحة لمشاعر شعبية صادقة: حبّ لا يُملى… احترام لا يُشترى… وقرب من رئيسهم بدون حواجز، فذلك المشهد لم يكن استعراضاً سياسياً، بل كان انبثاقاً عفوياً للثقة بين الشعب ورئيسه، تعبيراً عن علاقة إنسانية قبل أن تكون سياسية.

المغرب: شعب مُنهك… مأمور بتقبيل اليد

في المقابل، يقف المغربي البسيط في طوابير متعبة، ينتظر لحظة مرور الملك ليؤدي “الطقس الإجباري” المعروف: تقبيل اليد. طقس لم يعد رمز احترام، بل أصبح — في نظر كثير من المغاربة أنفسهم — علامة على الإهانة وفقدان الكرامة أمام عدسات الكاميرات، بينما في الجزائر يقبّل المواطن جبين رئيسه بمحبة.

وهنا يظهر الفرق القاسي: هل هناك إهانة أكبر من أن يُفرض عليك كيف تُظهر ولاءك؟ أن يصبح الجسد أداة سياسية؟ وأن تتحول “القبلة” من رمز احترام إلى رمز خضوع؟

عفوية vs بروتوكول

الفارق بين المشهدين ليس بسيطاً:
• في الجزائر: الشعب هو من يذهب إلى الرئيس.
• في المغرب: المواطن يُساق إلى الملك.
• في الجزائر: القبلة على الجبين دليل محبة.
• في المغرب: القبلة على اليد دليل إذلال.
• في الجزائر: العلاقة طبيعية وإنسانية.
• في المغرب: العلاقة بروتوكولية وهرمية.

الفرق ليس في التفاصيل… بل في الجوهر، بين شعب يحب رئيسه بصدق ويعبر عن ذلك بدون أوامر

الفرق بين المشهدين لا يُقاس بعدد الحشود، ولا بعلوّ الهتافات، بل يُقاس بمسافة الكرامة بين الحاكم وشعبه، ففي الجزائر، يقترب المواطن من رئيسه وهو مرفوع الرأس، يمدّ يده ليصافح، ويقبّل جبيناً إن شاء، لا أحد يأمره، ولا أحد يفرض عليه كيف يُظهر احترامه.

أما في المغرب، فينحني المواطن تحت عين البروتوكول الصارم، يُدفع دفعاً إلى طقسٍ عتيق لا يملك خيار رفضه، فيتحول المشهد من “احترام” إلى إجبار… ومن بروتوكول إلى إهانة. فالقبلة على الجبين رمز محبة، أما تقبيل اليد تحت الأمر فهو علامة قهر لا يمكن تجميلها مهما حاولوا. ففي لحظة واحدة، يمكن أن تفهم الفرق بين دولة تُصان فيها كرامة المواطن، ودولة تُستباح فيها كرامته باسم الطقوس.

في الجزائر، يقف الشعب شامخاً، يقترب من رئيسه بعفوية، يبتسم، يصافح، ويقبّل جبينه محبةً لا تحتاج إلى إذن أحد، لا شرطي يوجّه يده، ولا بروتوكول يفرض انحناءه.

أما في المغرب، فالمشهد معكوس، مواطن مسكين يُدفع إلى الأمام، تُمسك كتفه يد البروتوكول، وتنحني عنقه قبل أن يفكّر… ليؤدي طقساً لا اختيار فيه: تقبيل اليد.
قبلة ليست احتراماً… بل أمراً. وليس أشدّ على الإنسان من أن يُجبر على أن يُظهر ولاءً لم يختره.

الفرق بين البلدين إذن ليس في السياسة فقط، بل في كرامة الإنسان:
• هنا، قبلةٌ على الجبين ترفع الرأس.
• وهناك، قبلةٌ على اليد تكسر الظهر.

وهكذا، بين محبة تُمنح بحرية، وولاء يُنتزع بالإكراه، يبقى الفرق واضحاً كوضوح الشمس: شعبٌ يحب قائده… وشعبٌ يُجبر على الركوع لملكه.

حملة “أنا مع بلادي”: انعكاس آخر للعلاقة بين الشعب ودولته

في خضم الصور والمشاهد التي عكست الثقة الكبيرة بين الجزائريين ورئيسهم، برزت على منصّات التواصل حملة رقمية غير مسبوقة: #أنا_مع_بلادي.

هذه الحملة تحوّلت خلال ساعات قليلة فقط إلى تيار شعبي واسع شارك فيه الجميع، كلهم رفعوا نفس الرسالة وبصوت واحد. التفاعل لم يكن عادياً، ولم يحمل أي طابع مصطنع أو موجّه؛ بل كان ردّ فعل تلقائي نابع من إحساس جماعي بأن الوقت يتطلّب الوقوف مع الوطن، خصوصاً في ظل حملات التشويه التي حاولت استهداف الجزائر ورموزها.

وما ميّز هذه الحملة أكثر هو أنها جاءت امتداداً للمشهد الذي شهده الجزائريون في قسنطينة: شباب يقتربون من رئيسهم دون حواجز، قبعة يرتديها الرئيس تبون بعفوية، وقبلة على جبين الرئيس تضرب بـ”الصورة” كل الحملات المغرضة.

“أنا مع بلادي” لم تكن مجرّد عبارة تُكتب، بل موقف جماعي تحوّل إلى قوة رقمية هائلة، نقلت صورة واضحة: الشعب موحّد… والجيوب التي تراهن على ضرب الثقة بين الجزائريين ودولتهم فشلت أمام هذا الالتفاف الشعبي.

وبالأمس فقط، كانت هذه الحملة أقوى ردّ على كل محاولات التهجم والتضليل، بعدما غمرت مواقع التواصل بمحتوى إيجابي ورافع للمعنويات، لدرجة أن الوسم أصبح ترند وطني قضى على كل الأصوات السلبية.

هكذا أثبت الجزائريون مرة أخرى أن العلاقة بينهم وبين بلادهم لا تُصنع بالخطابات، بل تُصنع بالفعل… وبالتحرك الشعبي التلقائي الذي لا يحتاج أمراً ولا تحريضاً.

رابط دائم : https://dzair.cc/x97b نسخ

اقرأ أيضًا

×
Publicité ANEP
ANEP PN2500018