الأحد 09 نوفمبر 2025

تتجاوز نفقات نائب واحد 160 ألف دولار سنوياً.. برلمان المخزن يلتهم الملايير ليُخمد صوت الشعب

تم التحديث في:
تتجاوز نفقات نائب واحد 160 ألف دولار سنوياً.. برلمان المخزن يلتهم الملايير ليُخمد صوت الشعب

حين تُعلن ميزانية مجلس النواب المغربي لسنة 2026 عن كلفة تُقارب 1.6 مليون درهم سنوياً لكل نائب، لا نكون أمام رقم عابر في ورقة مالية، بل أمام مرآة فاضحة تُجسّد طبيعة النظام السياسي الذي يموّل الصمت أكثر مما يدعم الكلمة الحرة. هذه الملايين لا تُصرف لتقوية المساءلة، ولا لتجويد التشريع، بل لتغذية آلة ضخمة تُعيد إنتاج الولاء وتكريس التبعية للمخزن تحت غطاء “التمثيل الشعبي”.

في بلد يعاني فيه الشباب من البطالة، والمستشفيات من العجز، والمدارس من التهالك، يبدو البرلمان مؤسسة منفصلة تماماً عن واقع المغاربة. فـ“النواب” الذين يُفترض أن يكونوا صدى لآلام الشعب، تحوّلوا إلى فئة مميزة تعيش على حسابه، محصّنة بالتعويضات والمزايا والرحلات الخارجية والامتيازات التي تجعل من النيابة تجارة مربحة أكثر منها تكليفاً وطنياً.

ميزانية البرلمان ليست مجرد أرقام، بل دليل على انحراف جوهري في مفهوم الدولة. إذ بدل أن تكون المؤسسات أدوات لخدمة المصلحة العامة، صارت أدوات لتوزيع الريع المقنّن وتدوير النخب المطيعة. من يجرؤ على مراقبة حكومة المخزن، إذا كانت الجلسات تُدار وفق أجندة محسومة، والقرارات تُمرّر بلا نقاش حقيقي، والنواب أنفسهم جزء من منظومة تستمد شرعيتها من المخزن لا من الشعب؟

حين تُرصد 575 مليون درهم لتعويضات النواب والموظفين ومصاريف التأمين والسفر، يصبح السؤال ليس عن مصدر المال فقط، بل عن جدوى كل هذه “الآلة التشريعية” التي لا تشرّع سوى لما يقرّره المركز. ما الفرق إذن بين برلمان منتخب شكلاً ومجلس معين مضموناً؟
الجواب يكمن في طبيعة النظام الذي يتقن لعبة الواجهات: واجهة ديمقراطية تُعرض في المنتديات الدولية لتجميل الصورة، وواقع داخلي تُدار فيه السلطة بقرارات فوقية ومجالس رمزية تُبرّر ما يُملى عليها.

البرلمان المغربي، في صيغته الحالية، ليس سلطة تشريعية بل واجهة لتصريف التعليمات. لا رقابة فعلية على الحكومة، ولا محاسبة، ولا شفافية في تدبير الميزانية. كل شيء محسوب بدقة ليُبقي على مظاهر المؤسسات دون جوهرها، وليستمر الإنفاق العمومي في تمويل ما يُسمّى بـ”الاستقرار المؤسساتي”، الذي هو في الحقيقة استقرار مصالح النخبة المتحالفة مع المخزن.

والمفارقة أن المواطن الذي يُطالب بالتقشف والصبر و”تحمّل الظرفية الاقتصادية”، هو ذاته من يُقتطع من ضرائبه لتمويل حياة الرفاه لمن يُفترض أنهم “يمثلونه”. إنهم لا يشرّعون باسمه، بل يعيشون على حسابه.

كل هذا يحدث بينما تُسوّق المنظومة المخزنية خطاب “الإصلاح” و“الانتقال الديمقراطي” للعالم الخارجي، في الوقت الذي تُبقي فيه على برلمان صوري يُعيد إنتاج نفس الوجوه ونفس الخطاب. إنها ديمقراطية مكلفة جداً… ولكنها بلا مضمون.

حين تتجاوز كلفة نائب واحد 1.5 مليون درهم سنوياً في بلد يعاني من الهشاشة، يصبح البرلمان نفسه عنواناً للأزمة، لا وسيلة لحلها.

رابط دائم : https://dzair.cc/ac7s نسخ

اقرأ أيضًا