انتهى! رُفعت الأقلام وجفت الصحف! لقد كتب التاريخ أن الجزائر لم تجرّم الاستعمار الفرنسي إلى غاية مجيء الرئيس السابع، وستشهد الأجيال أن الجزائر كتبت بيانا نوفمبريا لتحرير أرضها، مفصولا بسنوات عن قانون يجرّم الاستعمار نفسه، ومخلدا لحقوق أبدية للشعب الجزائري وأرضه، على فرنسا.
ما يفعله الرئيس عبد المجيد تبون بفرنسا، لا يقارن إلا بما فعلته مجموعة 22 أو مجموعة 6 الخالدين! الذين غيروا معها جذريا مفهوم العلاقات الجزائرية الفرنسية! صحيح هؤلاء جاهدوها بالسلاح في وقت لم يكن للرئيس تبون العمر الكافي لذلك! لكن ما لم يُنْتَبَهْ إليه في حكمه، أن الجزائر قبل 12 ديسمبر 2019 كانت “محمية فرنسية إماراتية” غير معلنة، تختبئ وراء حُسن افتراضي للعلاقات الثنائية، بينما الواقع، كانت علاقات مبنية على نهب مقنن وفاضح لثروات الجزائريين.
إذا كانت جماعة 22 قد حررت الجزائر أرضا، وحررها الزعيم بومدين طاقة وبترولا، فإن الرئيس تبون حررها سيادة كاملة على الاثنين معا، من البيع الرخيص للطاقات ومقدرات الأمة ومراجعة العقود والعلاقات، لتعود خالصة للبلد وأهله، دون أن ينازعهم فيها أحد.
هذه الجزائر التي كانت صيدا محميا لبعض الذين كانوا يحسبون أنفسهم العرابين الأبديين بتواطؤ مخزٍ من بعض أبنائها المنحرفين للأسف، لم يعجبهم استقلال الجزائر التام، الذي يعمل على الحفاظ عليه الرئيس تبون، وساءهم تبخر استثماراتهم في جعل الجزائر تابعة لهم، فيسعون حالياً منذ رفضهم مبدأ الندية، إلى خراب قد يعيد لهم، الجزائر على طبق ذهبي تماما كما تسلموها من السابقين!
رسالة الرئيس تبون تجيب بوضوح عن هذا التفكير السائد، والذي يحمل بالرغم من خبثه حسنة، هي إظهاره للجزائر أعداءها الحقيقيين في العالم ، وأيضا أصدقاءها الحقيقيين!
ولهذا جاء قانون تجريم الاستعمار! خطوة لم يقدر عليها رئيس جزائري واحد ممن مضوا ! وهذا ليس انتقاصا من وطنيتهم ولا من ولائهم للجزائر، فقط الرئيس تبون كان مختلفا عنهم! طلب الاحترام الندي بكل ما يحمله معنى الاحترام.. سياسةً واقتصادا وثقافةً وذاكرة ً..طلب سيادةً للشعب الجزائري، على شأنه وأمره وأملاكه، مقابل ألا يمد يده لأحد..طلب سيادة شعبٍ لم يستشيروه حينما وضعوه في عصمة دول تدعي الأخوة والصداقة، بينما هي تخون الأخوة والصداقة!!
قانون تجريم الاستعمار، ليس تصعيدا سياسياً كما يراه الفرنسيون ومن والاهم، هو مجرد وضع الموازين القسط في العلاقات الدولية، فلا يبخس الناس حقهم ولا يبخس الناس حق الجزائر.
معادلة بسيطة واضحة عادلة، تفتح الباب على مصراعيه لكل من يريد الخير لبلده مع الجزائر، لكن باحترام، أطال البعض أن يعاملوا به الشعب الجزائري صاحب المقدرة والذكاء والإرادة مثل رئيسه في أن يحتضن أي شريك صادق مع الجزائر وشعبها.
تجريم الاستعمار الذي سطر معالمه الرئيس تبون، ليس تصعيدا سياسياً، هو ورقة طريق لجيل الجزائر الجديد، الذي وعد الرئيس بأن يحضره ليتسلّم مصير وطنه !
قانون تجريم الاستعمار هو الفقرة التي سقطت عن سهو من بيان نوفمبر 54 في غمرة الاشتياق للشهادة، وكان يُفترض أن تُصحح في 6 جويلية 1962، إلا أن أعداء الجزائر الذين ظهروا منذ الأزل، استمروا في إرهاق الرجال لينسوا تارة وليأملوا تارة أخرى في تحسن وصدق العلاقات مع المتربصين بنا، حتى جاء جيل أيقن أن ذلك كان قراءة ظرفية، لم تعد تحتمل المفهوم غير الصريح!
الآن الجزائر واضحة، ولم يعد أي جزء من تفكيرها خفي عن العالم، وقد كان لهذا الوضوح رئيس..اسمه عبد المجيد تبون، رأى بكل حرية وسيادة، فوّضه إياها شعبه، بأن يُدان في عهده الاستعمار باسم الجزائريين، تماما كما مجدته فرنسا..شكرا أيها الرئيس على وفائك لدماء الشهداء..
