السبت 05 جويلية 2025

تصاعد نفوذ التيار المتشدّد في إيران ونموذج كوريا الشمالية في الردع النووي مطروح بقوة بعد العدوان الصهيوني

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
تصاعد نفوذ التيار المتشدّد في إيران ونموذج كوريا الشمالية في الردع النووي مطروح بقوة بعد العدوان الصهيوني

بعد الضربات العسكرية التي قادتها إسرائيل وأميركا ضد إيران في يونيو 2025، يخلص تحليل البروفيسور شهرام أكبرزاده، الباحث الإيراني البارز، إلى أن التداعيات لم تنجح في زعزعة استقرار النظام الإيراني كما توقع البعض. بل على العكس، أدت إلى تعزيز موقع التيار المتشدد داخل هيكل السلطة وترسيخ مواقفه، مما قلل من إمكانية استئناف المفاوضات النووية في المستقبل القريب.

في مقاله المنشور على منصة “المبادرات من أجل الحوار الدولي”، والتي يديرها الدبلوماسي المغربي جمال بن عمر، يحمل عنوان “حرب إسرائيل-إيران: ترسيخ النظام بدلا من تغييره”، يؤكد أكبرزاده أن النظام الإيراني خرج من الأزمة أكثر توحداً وعدائية تجاه الغرب. كما يشير إلى أن الخطاب المحافظ المتشدد أصبح القوة المهيمنة في رسم السياسات الداخلية والخارجية لطهران.

الهجوم الإسرائيلي، الذي بدأ في 12 يونيو واستهدف منشآت نووية وعسكرية إضافة إلى قيادات بارزة، رُبرر على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باعتباره استجابة لـ”تهديد وجودي” ناجم عن سعي إيران لامتلاك السلاح النووي. في البداية، نأت واشنطن بنفسها عن الهجوم، لكنها سرعان ما شاركت فيه بتوجيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضربات إلى ثلاث منشآت نووية إيرانية بتاريخ 23 يونيو. رد إيران لم يتأخر عندما وجهت ضربة إلى قاعدة “العديد” الأميركية في قطر مع تنبيه مسبق لتقليل الخسائر البشرية.

أكبرزاده يرى أن تصاعد الأحداث قد خلق حالة ارتباك داخل الإدارة الأميركية، لا سيما أن ترامب وعد في حملته الانتخابية بخروج بلاده من صراعات الشرق الأوسط. ومع ذلك، تصرفاته أدت إلى مطالبة القيادة الإيرانية بالتنحي وإعلانه عن وقف إطلاق النار مع إسرائيل كجزء من محاولة لإنهاء الصراع دون استسلام فعلي لطهران، وهو ما منح النظام الإيراني فرصة لاستغلال الادعاء بانتصار رمزي.

الأثر الأكبر لهذه الحرب لم يكن عسكرياً بقدر ما كان سياسياً على الساحة الداخلية الإيرانية. وفق تحليل أكبرزاده، أدى اندلاع الحرب إلى تعزيز موقع الحرس الثوري والمحافظين الذين طالما وصفوا التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنه “اختيار يضر بالأمن القومي”. البرلمان الإيراني سارَع بتبني قانون يُنهي أي تعاون مع الوكالة ويطرد مفتشيها. هذا التطور يشير إلى تراجع واضح للدبلوماسية لصالح نهج المواجهة.

وأضاف المقال أن إدارة ترامب تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية لتدهور الثقة بين إيران والمجتمع الدولي. انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي لعام 2015 وفرض سياسة “الضغط الأقصى”، بالإضافة إلى تبدل مطالبها في سياق المحادثات من منع إنتاج السلاح النووي إلى تقييد تخصيب اليورانيوم بشكل كامل، غذّى شكوك الجانب الإيراني. دعم ترامب للضربة الإسرائيلية ومن ثم التدخل الأميركي المباشر زاد من عمق هذه الشكوك، مما يجعل العودة إلى أي شكل من أشكال الحوار مستبعدة حالياً.

الحرب، التي استمرت اثني عشر يوماً (من 12 إلى 24 يونيو)، كانت بمثابة انتصار سياسي للمتشددين الذين بدأوا يجاهرون بأن امتلاك السلاح النووي يشكل الردع الحقيقي الوحيد. وأشار أكبرزاده إلى أن إيران طورت عقيدة “الدفاع المتقدم” من خلال دعم جماعات مثل حزب الله وحماس والحوثيين، لكن الهزائم المتتالية لهذه الحلفاء جعلتها تعيد تقييم هذا النهج. سقوط النظام السوري نهاية عام 2024 على يد “هيئة تحرير الشام” عزز ضرورة تغيير مسار أدوات الردع، وفق تحليل الكاتب.

وعلى المستوى الاستراتيجي الدولي، يبدو النموذج الكوري الشمالي مصدر إلهام لصناع القرار الإيرانيين، بينما يعتبرون مصير ليبيا بعد تفكيك برنامجها النووي درساً تحذيرياً. يقول المقال إن الرواية الأقوى لدى التيار المتشدد حالياً هي أن الضغوط الخارجية تؤدي إلى الانهيار وليس السلام، بل تفضي إلى الانهيار. هذا الاعتقاد يجد دعمًا كبيرًا من التيار المتشدد الذي يستخدمه لتوحيد الصفوف ودفع الرأي العام نحو موقف أكثر صلابة.

داخليًا، تداعيات الحرب لم تقتصر فقط على تأثير السياسات الخارجية، بل انعكست على الوضع الداخلي بزيادة القيود على المجتمع المدني. وفقًا لتحليل البروفيسور أكبرزاده، تصاعد هيمنة التيار المتشدد يُنبئ بمزيد من التراجع في مستوى الحريات، مُستشْهِداً بالقمع الدموي الذي واجه احتجاجات 2022-2023 التي رفعت شعار “المرأة، الحياة، الحرية”، والذي كشف عن أزمة الشرعية المتفاقمة في الجمهورية الإسلامية. ورغم نجاح النظام في إخماد تلك الاحتجاجات، إلا أن الهوة بينه وبين الشعب لا تزال قائمة. في ظل شعور النظام بالحصار داخليًا وخارجيًا، يلجأ إلى اتهام النشطاء المدنيين بالعمالة للغرب كذريعة لتبرير القمع المستمر.

ما يُظهر هذا الموقف بوضوح هو الرد على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي حث الإيرانيين على تحرير أنفسهم من النظام الإسلامي. النظام الإيراني استجاب بتعزيز دعوته للمقاومة ضد “الاستكبار العالمي”، مستغلًا ذلك لتوظيف فكرة التحدي في روايته السياسية. ووفق ما يراه البروفيسور أكبرزاده، فإن الحرب رغم أنها حفّزت جهود واشنطن وتل أبيب للتغيير، إلا أنها منحت النظام الإيراني فرصة لإعادة تشكيل خطاباته الداخلية والخارجية حول مفهوم الصمود والتحدي. هذه الرواية أصبحت ذات تأثير جماهيري واسع خاصة في أوقات الأزمات.

رابط دائم : https://dzair.cc/kpr3 نسخ