19 سبتمبر، 2025
ANEP الجمعة 19 سبتمبر 2025

تصريحات نتنياهو «كل من يملك هاتفاً يحمل قطعة من إسرائيل»: فضيحة الـ AppCloud تكشف مخاطر التجسُّس وتضع المخزن تحت المجهر

تم التحديث في:
بقلم: أحمد عاشور
تصريحات نتنياهو «كل من يملك هاتفاً يحمل قطعة من إسرائيل»: فضيحة الـ AppCloud تكشف مخاطر التجسُّس وتضع المخزن تحت المجهر

في عبارة لم تكن بريئة، قال بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي إن «كل من يملك هاتفاً نقالاً يحمل معه قطعة من إسرائيل» — تصريحٌ بدا غريباً إلى أن كشفت تحقيقات وتحليلات تقنية عن وجود تطبيق مُثبّت مسبقاً على هواتف سامسونغ (سلسلة A وM) يُعرف باسم AppCloud (أو Aura/ AppCloud في بعض التقارير)، وهو تطبيق تروّجه شركة صهيونية ويعمل كخدمة توصية/تنصيب تطبيقات لكنه — بحسب باحثين ومنظمات مدافعة عن حقوق الخصوصية — يجمع بيانات واسعة ويصعب إزالته من الأجهزة المخصصة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. هذه المعلومات وحدها كفيلة بجعل تصريح نتنياهو يبدو أقل «مجازاً» وأكثر تحذيراً: ما بدا قولاً مبالِغاً هو في واقع الأمر وصف لآلية احتواء رقمي ومجسِّسة متوغلة في جيوب الملايين.

تقارير فنية وتحذيرات حقوقية ربطت AppCloud بشراكات تجارية بين موردين للتطبيقات وشركة سامسونغ، وبيّنت أن التطبيق يُثبّت تلقائياً على عددٍ واسع من هواتف الفئة المتوسِّطة والمبسطة في منطقة WANA (غرب آسيا وشمال إفريقيا)، ويقدم نفسه كخدمة «مقترحات تطبيقات» — لكن سلوكياته وإعداداته الافتراضية تجعل منه آلية لجمع بيانات جهازية حساسة وللدفع بتطبيقات طرف ثالث على الأجهزة دون موافقة واضحة للمستخدم. الباحثون لاحظوا أيضاً أن إزالته ليست دائماً متاحة للمستخدم العادي ولا تظهر سياسات خصوصية واضحة تُطمئن المواطن.

الخطير هنا أن تقاريرٍ مراسَلة بين ميدان الجدل التقني والسياسي تشير إلى أن هواتف سامسونغ المحمّلة مسبقاً بهذا التطبيق تصل إلى أسواقٍ وإداراتٍ رسمية في عدد من دول المنطقة، وأن بعض الأجهزة التي تُوزع على موظفين حكوميين قد تحتوي التطبيق مثبتاً أصلاً، مما يفتح الباب أمام سيناريوهات اختراقٍ أو وصولٍ غير مرخّص للمعلومات الحسّاسة داخل هياكل الدولة. إذا ثبتت هذه المعطيات فالأمر لا يعد مجرد «بغاء رقمي» بل اختراقٌ محتمل لأمن المعلومات في مؤسسات حيوية. هذا هو لبّ المخاوف التي أثارتها عبارات نتنياهو وصارت تُمثل تحذيراً عملياً.

وليس سرا أن علاقة بعض الأنظمة في المنطقة، وخاصة نظام المخزن، بشركات تكنولوجيا التجسُّس الإسرائيلية (أسماء مثل NSO/بيغاسوس ذُكرت في سياقات سابقة) قد أثارت فضائح كبرى، ومن هنا يتحول القلق التقني إلى قلق سياسي وأمني: ربطٌ بين برمجيات مثبتة مسبقاً، وشركات إسرائيلية تعمل في مجال «الاستخبارات التجارية»، واعتماد بعض الدول على أجهزة وخدمات يمكن أن تُستخدم للنفاذ إلى حسابات ومراسلات وأرشيفات مؤسساتية حساسة. الخلاصة القاطعة إلى حد الآن: وجود AppCloud واسع الانتشار — وسمات تشغيلية صعبة الإزالة — يضع شبكات الحماية الوطنية في مواجهة احتمال اختراقٍ منهجي أو استغلال صنع خارجي للنفوذ الرقمي.

أيّ تفسيرٍ منطقيّ لقول نتنياهو أوضح الآن: «قطعة من إسرائيل» ليست استعارة بل إنذار. إما أنه يعني أن بنيات ومكوّنات تكنولوجية صهيونية باتت متوغلة في الأجهزة المنتشرة عالمياً، أو أنه إقرار غير مباشر بقدرة صناعات الأمن الإلكتروني الإسرائيلية على وضع أدوات وصول عن بُعد في نقاط حساسة على مستوى المستخدم النهائي. وفي الحالتين، يبرز سؤالٌ لا مفرَّ منه: ما دور المخزن في هذا المشهد؟ هل اقتصر التعامل على عقود تجارية «مشروعة» أم أن ثمة تقاطعات أعمق بين منظومات استخباراتية وسياسات اقتناء أجهزة/تطبيقات يمكن توظيفها لمراقبة شخصيات وسياسات؟

لا يمكن لصحيفة أو قِطاع مدني أن يطلق ادعاءات جنائية من دون أدلة تقنية قضائية، لكن كذلك لا يجوز الصمت إزاء حقيقة قابلة للفحص: توزيع أجهزة مسبقة التحميل بتطبيقات تجمع بيانات، أو توظيف مزودي خدمات برمجية ذوي علاقات مع شركات استخباراتية، يشكلان مخاطرة سيادية. المطلوب الآن إجراءات فورية وشفافة لا تترك أي هامش للظن:

• فتح تحقيق تقني مستقل بمشاركة خبراء أمن سيبراني محايدين لفحص نُسخٍ من الهواتف المشتبه بها ومعرفة ما إذا كان AppCloud يجري نقل بيانات خارجية أو يتيح قنوات وصول.
• مراجعة كل عقود اقتناء الأجهزة الحكومية والتأكد من غياب أي حزم برمجية مسبقة تثبت وصولاً خارجياً إلى شبكات المؤسسات.
• فرض سياسات تكنولوجية وطنية تمنع توزيع أجهزة لا تتيح إزالة برمجيات الطرف الثالث أو لا تضمن سياسات خصوصية شفافة.
• إخضاع كل علاقات التعاقد مع شركات إنشائية أو تجسُّس رقمية لمراجعة قضائية وبرلمانية، وإعلام الجمهور بنتائج المراجعة.

أما على مستوى الخطاب السياسي والدبلوماسي في المغرب، فثمة مسؤولية ثقيلة تقع على عاتق الأجهزة الرسمية: إن بقيت هذه المخاطر بدون ردٍ شفاف، فإن الاتهامات والشكوك ستتحول إلى مادة للتأليب الداخلي والخارجي، وحينئذٍ تصبح الدولة نفسها ضعيفة أمام أدوات الضغط الرقمي والمعلوماتي.

في المشهد الإقليمي المتقلب اليوم، لا يعادُ الأمن السيبراني الأمن القومي، وليس هناك ما يُسمى «تفاهات برمجية» حين تتقاطع مع ملفات الاستخبارات والمخابرات. تصريح نتنياهو لم يكن سوى منبّه: هو تحذير وإنذار، ومن واجب كل دولة أن تجهر بالتحقيق والشفافية قبل أن تتبدّل «القطعة» في جيب المواطن إلى أداةِ تجسُّسٍ تلاحق الدولة نفسها ومن يقودها.

رابط دائم : https://dzair.cc/tdll نسخ