السبت 10 ماي 2025

تطبيع المغرب.. بين القرار الرسمي والرفض الشعبي

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
تطبيع المغرب.. بين القرار الرسمي والرفض الشعبي

مع استمرار حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة، تحت ذريعة هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023، تستمر المسيرات الاحتجاجية في مختلف مدن المغرب، والدعوات إلى مقاطعة التعامل مع الشركات الصهيونية، إلى جانب التراجع عن اتفاق التطبيع الذي وقعه المغرب مع “إسرائيل”، خلال ولاية الحكومة التي قادتها العدالة والتنمية برئاسة سعد الدين العثماني.

تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية، خلال الولاية السابقة للرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، وافقت السلطات المغربية سنة 2020، على الانضمام إلى ركب الدول العربية التي وقعت على ما يعرف باتفاقيات “أبراهام” للسلام، بهدف استئناف العلاقات مع “إسرائيل”، وذلك مقابل الاعتراف الأمريكي والإسرائيلي بـ “مغربية” الأقاليم الصحراوية المتنازع عليها.

وأعقب اتفاق التطبيع، التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات الرسمية في عدة مجالات، حيث وقعت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، برئاسة عبد اللطيف الميراوي، يوم 25 ماي 2022، مذكرة تفاهم مع وزارة العلوم والتكنولوجيا الإسرائيلية، تهدف إلى تعزيز التعاون في المجال العلمي والتكنولوجي بين الطرفين.

وبحسب وزارة التعاون الإقليمي الإسرائيلية، شهد عام 2021، قفزة في تصدير البضائع من إسرائيل إلى المغرب بنحو 214% بالمقارنة مع العام 2020، ووصل إلى نحو 12 مليون دولار، فيما بلغ حجم استيراد البضائع من المغرب خلال نفس السنة، ما قيمته 57 مليون دولار، ما يشكل انخفاضا بنسبة 15% تقريبا بالمقارنة مع عام 2020، الذي شهد استيرادا من المغرب بقيمة نحو 67 مليون دولار.

ووفق تقرير معهد “ابراهام للسلام”، ارتفعت المبادلات التجارية بين الطرفين بنسبة 411.84 في المائة بين سنة 2020 و 2023، حيث انتقلت من 22.8 مليون دولار إلى 116.7 مليون دولار.

وفي بداية عام 2023، شارك المغرب إلى جانب كل من الإمارات العربية المتحدة، و”إسرائيل”، والبحرين، ومصر، والولايات المتحدة، في منتدى النقب بأبوظبي، بهدف تعزيز التعاون الإقليمي في مجالات الأمن الغذائي، وتكنولوجيا المياه، والطاقة النظيفة، والسياحة، والرعاية الصحية، والتعليم، والتعايش، والأمن الإقليمي.

انقسام شعبي واحتجاجات

شكل شهر ديسمبر سنة 2020، نقطة تحول كبيرة في العلاقات بين المغرب و”إسرائيل”، فبعد مرور عشرين سنة على قرار إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط، ونظيره المغربي في تل أبيب، واللذان تم فتحهما لأول مرة سنة 1996، عاد الطرفان لفتح المكتبين بعد التوقيع على اتفاق التطبيع.

ورغم تأكيد الملك محمد السادس، في بيان للديوان الملكي عقب توقيع الاتفاق، عن “موقف المملكة المغربية الثابت بشأن القضية الفلسطينية، والقائم على حل الدولتين اللتين تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمان”، إلا أن هذا الحدث أثار انقساما في صفوف المجتمع المغربي، بين مؤيد يرى فيه مصلحة وطنية تحت شعار “تازة قبل غزة”، وبين معارضين يرفضون المساومة بأرواح الفلسطينيين، ويدعون إلى مقاطعة الكيان الإسرائيلي، ومحاسبته على المجازر التي يرتكبها في حق الأطفال والنساء والمدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ومنذ ذلك الحين، تشهد المدن المغربية موجة احتجاجات واسعة، خصوصا بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023.

يوم الأحد الماضي، نظمت الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، مسيرة بالرباط شارك فيها آلاف المغاربة رافعين شعارات تطالب بوقف التقتيل والتهجير، وإسقاط التطبيع.

كما أعلن الاتحاد النقابي لعمال الموانئ بالمغرب، المنضوي تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، في بيان، عن رفضه التام لاستقبال سفينة الشحن “NEXOE MAERSK” المحملة بإمدادات عسكرية أمريكية وجهتها “إسرائيل”، والتي يرتقب أن ترسو بميناء الدار البيضاء يوم الجمعة 18 أبريل 2025.

وأعرب الاتحاد، في نفس البيان، عن رفضه لكل أشكال تورط العمال المغاربة في العمليات اللوجيستيكية المرتبطة بمساعدة هذه السفينة، ومثيلاتها في القيام بمهام النقل الإجرامي.

ومن جهة أخرى دعت حركة بي دي إس (BDS) في بيان، إلى مقاطعة معرض جيتكس إفريقيا الذي تحتضنه مدينة مراكش، ووجهت الحركة نداءها إلى “كافة الزوار والمشاركين، سواء كانوا طلبة أو مهندسين أو مهنيين أو أكاديميين أو غيرهم”.

وحثّت الحركة المناهضة للاحتلال الإسرائيلي، على تكثيف الضغط على شركات التكنولوجيا المتورطة في دعم منظومة الاحتلال والاستيطان والفصل العنصري، بالانضمام إلى حملات المقاطعة العالمية ضد هذه الشركات.

كما طالبت بالامتناع عن التفاعل، أو التعاقد، أو الدخول في أي شكل من أشكال العلاقات، أو التعاون مع أيّ من الشركات المتواطئة مع دولة الاحتلال.

وارتباطا بالموضوع، نشر مهندس الاتصالات نجيب المختاري، تدوينة عبر صفحته على منصة فيسبوك، بخصوص سماح المغرب بمشاركة شركة وترفل للأمن السيبراني (Waterfall Security Solutions)، في معرض جيتكس، قال فيها، بأن الشركة متورطة في عملية الإبادة التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي. وتساءل “واش كان ممكن ان المغرب يكون فيه جناح لشركة كتقدم تكنولوجيا ذات استعمال عسكري مثلا لداعش؟”.

وأضاف المختاري في تدوينته، “العمليات الاسرائيلية مؤخرا هي بنفس الهمجية ديال اي مؤسسة ارهابية كيكافحها المغرب. الجيش الاسرائيلي كيستعمل التكنولوجيا بما فيها الذكاء الاصطناعي لاستهداف اطفال ونساء ومدنيين واطباء وعمال إغاثة وموظفين من الأمم المتحدة”.

رد أمني وقضائي

في المقابل تشن السلطات الأمنية حملات اعتقال في صفوف النشطاء مناهضي التطبيع، وبالفعل سبق أن أصدرت محكمة بالرباط حكما على 13 ناشطا في سلا، بستة أشهر حبسا مع وقف التنفيذ، وغرامة مالية قدرها 2000 درهم، وذلك على خلفية تظاهرهم قبل أكثر من عام أمام سوق تجاري.
وفي ديسمبر 2024، أدانت المحكمة الابتدائية في الدار البيضاء، الناشط إسماعيل الغزاوي بالحبس سنة نافذة، وهو الحكم الذي وصفته الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين (همم)، بـ “حكم تعسفي جديد لقمع حرية التعبير بسنة سجنا نافذا في حق المهندس إسماعيل الغزاوي لأجل آرائه المناهضة للتطبيع”، ولاحقا خفضت محكمة الاستئناف هذه العقوبة إلى 4 أشهر حبسا ضمنها شهران مع وقف التنفيذ.

كما أدانت المحكمة الابتدائية بالمحمدية، في أبريل السنة الماضية، الناشط عبد الرحمن زنكاض، وحكمت عليه بالسجن النافذ لمدة خمس سنوات، بتهم إهانة مؤسسة دستورية والتحريض، ثم أفرج عنه لاحقا بعفو ملكي.

وفي ماي 2024 تمت متابعة الناشط في صفوف الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، مصطفى دكار، على خلفية شكايات تقدمت بها جمعيات مدنية مدافعة عن “إسرائيل”، حيث أدين ابتدائيا بسنة ونصف حبسا نافذة وغرامة 30 ألف درهم، قبل أن يتم الإفراج عنه بموجب عفو ملكي.
مقال عن موقع هوامش: hawamich.info/9793/

رابط دائم : https://dzair.cc/2tc8 نسخ