الاثنين 03 نوفمبر 2025

تهنئة نتنياهو لمحمد السادس تكشف عن التحالف المصلحي بين المخزن والكيان.. حين يُستثمر الاحتلال في خدمة الاحتلال

نُشر في:
تهنئة نتنياهو لمحمد السادس تكشف عن التحالف المصلحي بين المخزن والكيان.. حين يُستثمر الاحتلال في خدمة الاحتلال

لم تكن تهنئة رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو للملك محمد السادس بخصوص القرار الأخير لمجلس الأمن حول الصحراء الغربية مجرد مجاملة دبلوماسية عابرة، بل هي تعبير صريح عن تداخل المصالح بين مشروعين توسّعيين يوظّفان السياسة والدين والتاريخ لتبرير واقع الاحتلال وشرعنته. فحين يصف نتنياهو القرار بأنه “انتصار للدبلوماسية المغربية”، فإنه في الحقيقة يحتفل بانتصار منهج سياسي مشترك: تحويل قوة الأمر الواقع إلى شرعية دولية، وتحويل الاحتلال إلى “حلّ واقعي ودائم”.

منذ إعادة التطبيع بين الرباط وتل أبيب في ديسمبر 2020، كانت الصحراء الغربية الورقة المركزية التي بُني عليها هذا التحالف الجديد. فاعتراف إدارة ترامب آنذاك بـ“سيادة المغرب” المزعومة على الإقليم لم يكن سوى المقابل السياسي لتطبيع علاقات المغرب مع الكيان الصهيوني، أي صفقة صريحة بين احتلالين: اعتراف مقابل تطبيع. وبذلك أصبح مستقبل الشعب الصحراوي جزءًا من مقايضة جيوسياسية تتجاوز منطق الشرعية الدولية إلى منطق السوق السياسية، حيث تُباع الحقوق وتُشترى المواقف.

الرسالة التي بعث بها نتنياهو عام 2023 إلى الملك محمد السادس معلنًا فيها اعترافه بـ “سيادة المغرب” على الصحراء الغربية لم تكن خطوة رمزية فحسب، بل إعلان انخراط كامل لإسرائيل في معركة الرباط الدبلوماسية. وقد ترجمت هذه الخطوة بتكثيف التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين، وبصفقات تسليح متقدمة بهدف تعزيز القدرات المغربية في المنطقة الجنوبية، ما جعل الكيان طرفًا غير معلن في موازين القوة داخل الصحراء الغربية. تهنئة نتنياهو الأخيرة إذًا تأتي لتؤكد أن هذا الدعم لم يكن مؤقتًا بل خيارًا استراتيجيًا يربط بقاء الاحتلالين ببعضهما البعض: احتلال فلسطين واحتلال الصحراء الغربية.

لكن المفارقة العميقة تكمن في تزامن هذا التهنئة مع العدوان الصهيوني المستمر على غزة، ومع ما يشهده العالم من تنديد بالمجازر اليومية ضد المدنيين الفلسطينيين. فبينما تتعالى أصوات الشعوب العربية مطالبة بموقف مبدئي من الاحتلال الإسرائيلي، يختار المغرب الرسمي صمتًا محسوبًا يوازن بين علاقاته مع تل أبيب والتزامه اللفظي بالقضية الفلسطينية. وهنا يتبدّى المعنى الحقيقي للتحالف: هو ليس مجرد اتفاق دبلوماسي، بل إعادة تشكيل للمنظومة الأخلاقية والسياسية في المنطقة، بحيث يُعاد تعريف الاحتلال على أنه “تسوية”، والمقاومة على أنها “عرقلة للسلام”.

القرار الأخير لمجلس الأمن، الذي صاغته الولايات المتحدة وامتنعت عن دعمه روسيا والصين وباكستان، يعكس بوضوح هذا الاتجاه. فالنص لم يأتِ بجديد سوى إعادة إنتاج خطاب “الواقعية السياسية” الذي يرى في الحكم الذاتي المغربي حلاً “جادًا وذا مصداقية”، مع الإبقاء الشكلي على عبارة “حق تقرير المصير”. وهو توازن لفظي يخدم واشنطن والرباط وتل أبيب معًا، لأنه يمنح غطاءً قانونيًا لاستمرار الاحتلال في ثوب جديد، بينما يفرغ جوهر القرارات الأممية من محتواها الأصلي.

التهنئة الإسرائيلية إذًا ليست موجهة فقط إلى الملك، بل إلى النموذج السياسي الذي أصبح يُحتذى: كيف يمكن تحويل قضية استعمارية إلى ملف تنموي، وكيف يمكن احتواء معاناة شعب بأكمله داخل معادلة أمنية تخدم المصالح الغربية والصهيونية. إن دعم الكيان لخطة الحكم الذاتي ليس تضامنًا عاطفيًا، بل جزء من هندسة إقليمية تسعى لتطبيع مفهوم الاحتلال ذاته، ولخلق تحالف جديد يمتد من تل أبيب إلى الرباط مرورًا بواشنطن، يقوم على تبرير “الواقعية” بدل العدالة.

إن أخطر ما في هذا المشهد أن الأمم المتحدة نفسها أصبحت طرفًا في هذه اللعبة. فالقرارات التي كانت في الماضي تؤكد على حق تقرير المصير باتت اليوم تُصاغ بلغة رمادية تخلط بين المستعمِر والمستعمَر. وبدلاً من الضغط لإجراء الاستفتاء المؤجل منذ 1991، تكتفي المنظمة بتمديد ولاية بعثة المينورسو التي تحولت عمليًا إلى شاهد صامت على جمود العملية السياسية. هذا الانزياح في الخطاب الأممي هو ما دفع روسيا إلى وصف القرار بـ“غير المتوازن” و“المنحاز”، وهو ما يجعل تهنئة نتنياهو تبدو أكثر دلالة: لأنها تحتفل بانتصار الانحياز لا بانتصار السلام.

إن الصمت العربي أمام هذا التحالف المغربي-الصهيوني يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من تفكك الموقف الجماعي، ويضع القضية الصحراوية في مصاف القضايا التي يجري تصفيتها تدريجيًا بتواطؤ دولي. لكن التاريخ يعلمنا أن الشرعية لا تُستمد من قرارات القوى العظمى، بل من إرادة الشعوب. فكما فشلت إسرائيل في كسر إرادة الفلسطينيين رغم كل الاعترافات والتطبيع، لن تنجح الرباط في فرض سيادتها على شعب يرفض الخضوع للاحتلال مهما تغيّرت التسميات.

التحالف بين الاحتلالين لن يصنع سلامًا، بل يكرّس منطق القوة على حساب العدالة. والتهنئة التي جاءت من تل أبيب ليست سوى مرآة تعكس حقيقة التحوّل في مسار الدبلوماسية المغربية: من خطاب الوحدة المزعومة إلى خطاب التحالفات المصلحية. وفي زمن تتهاوى فيه القيم الأممية، تبقى المقاومة ــ بكل أشكالها ــ هي اللغة الوحيدة التي يفهمها المستعمر، سواء كان في تل أبيب أم في الرباط.

رابط دائم : https://dzair.cc/wmuh نسخ

اقرأ أيضًا