15 أكتوبر، 2025
ANEP الأربعاء 15 أكتوبر 2025

“جبروت” يفضح محمّد السادس ويكشف عن حجم الترف والبذخ المهول: فاتورة خيالية للقصور الملكية تجاوزت 200 مليون يورو سنويًا

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
“جبروت” يفضح محمّد السادس ويكشف عن حجم الترف والبذخ المهول: فاتورة خيالية للقصور الملكية تجاوزت 200 مليون يورو سنويًا

لم يكن تسريب “جبروت” مجرد عملية قرصنة رقمية عابرة، بل شكّل زلزالًا سياسيًا وأخلاقيًا أعاد إلى الواجهة سؤالًا جوهريًا في المغرب: إلى أي مدى يمكن لنظام المخزن أن يستمر في الجمع بين الترف السلطوي والتقشف الاجتماعي؟ فقد كشفت الوثائق التي نشرها الهاكر المجهول عن فاتورة خيالية للقصور الملكية تجاوزت 200 مليون يورو سنويًا، تُصرف على أكثر من 3,400 موظف في “الملكية الخاصة” لمحمد السادس، في بلد يعيش أكثر من ثلث شبابه تحت خط الهشاشة ويعاني من ضعف الخدمات العامة في التعليم والصحة والشغل.

منذ عقود، نجح النظام المخزني في حماية صورته داخليًا وخارجيًا بفضل مزيج من الرقابة الصارمة والإعلام الموجّه والخطاب الديني والسياسي الذي يبرر واقع الهيمنة. غير أن الهاكر “جبروت” فجّر تلك المعادلة، واضعًا القصر في قلب فضيحة رقمية لا يمكن التحكم في تداعياتها. فما كان يُدار في السر بين جدران القصور، أصبح اليوم موضوعًا للنقاش الشعبي المفتوح. ويتساءل المواطن المغربي اليوم: كم تكلف الدولة العميقة دافعي الضرائب؟ وهل يمكن لنظام يدّعي الإصلاح الاجتماعي أن يبرر ميزانيات القصور في بلد يهاجر فيه الأطباء ويغادر فيه الشباب الجامعات نحو البطالة واليأس؟

تزامن هذا التسريب مع احتجاجات يقودها جيل “زد” المغربي، جيل لم يعد يخاف من طرح الأسئلة الصعبة. هؤلاء الشباب لا ينتمون إلى الأحزاب التقليدية ولا يؤمنون بشعارات “الاستقرار مقابل الصمت”. إنهم أبناء الهواتف الذكية، يرون التفاوت الصارخ بين الشعوب ويقارنون واقعهم بما يشاهدونه في العالم، فيسألون: لماذا تُنفق الدولة الملايير على القصور والمواكب، بينما تلاميذ القرى يدرسون في خيام، وأسر ضحايا زلزال الحوز ما زالت تنتظر تعويضاتها؟ لقد تحول تسريب جبروت إلى رمز للتمرد الرقمي ضد نظام الامتياز، ومرآة تكشف الفجوة الواسعة بين القمة المترفة والقاعدة المهمشة.

اللافت أن هذه التسريبات جاءت بعد أسابيع فقط من خطاب رسمي تحدث فيه الملك عن العدالة الاجتماعية وضرورة الاستثمار في التعليم والبنى التحتية. غير أن الأرقام التي تم تسريبها تقوّض هذا الخطاب بالكامل، إذ تظهر أن جزءًا كبيرًا من ميزانية الدولة يوجَّه للحفاظ على رفاهية نخبة محدودة بدل تحسين ظروف المواطنين. في لغة الاقتصاد السياسي، هذه ليست مجرد “مصاريف ملكية”، بل تعبير عن طبيعة النظام نفسه، نظام يكرّس السلطة في يد قلة ويحوّل الثروة إلى أداة ولاء سياسي واجتماعي.

سواء كان “جباروت” هاكرًا غاضبًا من داخل أجهزة الدولة أو مجرد واجهة لصراع أجنحة داخل المخزن، فإن الحقيقة تبقى واحدة: لقد كُسر حاجز الصمت. في المغرب اليوم، لم يعد النقاش يقتصر على الأسعار أو الخدمات، بل امتد ليطال جوهر الشرعية نفسها. من يملك الحق في إنفاق المال العام؟ ومن يراقب القصور حين تصبح فوق المساءلة والمحاسبة؟

لقد كشف الهاكر ما كان الجميع يهمس به في المجالس الخاصة: أن “المقدّس” لم يعد بمنأى عن النقد الشعبي. فجيل جديد من المغاربة لا يطلب ثورة ولا فوضى، بل يطالب بالشفافية والكرامة والعدالة. غير أن تجاهل هذه الرسائل لن يُخمد الغضب، بل سيغذيه أكثر. ففي زمن الإنترنت، لا توجد أسرار أبدية ولا هيبة بلا محاسبة. وإذا كانت القصور تتسع، فإن الفجوة بين السلطة والمجتمع تتسع معها، وهذه هي الفاتورة الحقيقية التي قد يدفعها المخزن في النهاية.

رابط دائم : https://dzair.cc/g123 نسخ