4 سبتمبر، 2025
ANEP الخميس 04 سبتمبر 2025

جنازة أحمد الزفزافي والد “أيقونة الريف”: ظهور استثنائي لناصر يحرّك المياه الراكدة في ملف الحراك من تحت نظام المخزن

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
جنازة أحمد الزفزافي والد “أيقونة الريف”: ظهور استثنائي لناصر يحرّك المياه الراكدة في ملف الحراك من تحت نظام المخزن

لم يكن خروج ناصر الزفزافي، أيقونة “حراك الريف”، من السجن لحضور جنازة والده حدثاً عادياً، بل شكّل محطة سياسية وحقوقية أعادت النقاش حول واحد من أكثر الملفات حساسية في المغرب خلال العقد الأخير. فمنذ 2017، ظل ملف معتقلي الحراك عالقاً، تتجاذبه حسابات الدولة وضغط الشارع وتدخلات المنظمات الحقوقية، ليعود اليوم إلى صدارة الاهتمام بعد الظهور العلني الأول لزعيم الحراك.

رسائل سياسية مشفّرة

في كلمته القصيرة من فوق سطح منزل عائلته بالحسيمة، شدّد الزفزافي على أن “الوطن يشمل شماله وجنوبه وشرقه وصحراءه وسهوله وجباله”. هذا التصريح لم يكن عابراً، بل حمل دلالات سياسية عميقة، اعتبرها مراقبون رداً مباشراً على الاتهامات التي لاحقت الحراك بالانفصالية. فالرجل، الذي يقضي حكماً قاسياً بالسجن لعشرين عاماً، أراد أن يوجه رسالة مزدوجة: أولاً وفاؤه لوحدة المغرب الترابية، وثانياً تأكيد أن مطالبه كانت دائماً اجتماعية-حقوقية وليست انفصالية كما روّجت السلطات.

لحظة رمزية تُحرج الدولة

المشهد الشعبي المهيب، من الهتافات المطالبة بالحرية إلى الاستقبال الحار لناصر، شكّل ضغطاً معنوياً على الدولة. فبينما حاولت السلطات تقديم السماح بخروجه المؤقت كـ“بادرة إنسانية”، قرأ الشارع ذلك كدليل على أن الملف لم يُطوَ وأن الحراك ما زال حياً في الذاكرة الجماعية للريف. ظهور الزفزافي أعاد إلى السطح سؤالاً مركزياً: إلى متى ستستمر الدولة في التعاطي الأمني مع مطالب اجتماعية مشروعة؟

حقوق الإنسان على المحك

تزامن الحدث مع تجديد منظمات حقوقية، محلية ودولية، دعوتها إلى إطلاق سراح معتقلي الحراك. فـ“العفو الدولي” و“هيومن رايتس ووتش” وغيرهما سبق أن وصفت المحاكمات بأنها “جائرة”، معتبرة أن استمرار الاعتقال يتناقض مع دستور المغرب والتزاماته الحقوقية الدولية. وبالنسبة لهذه المنظمات، فإن مشهد جنازة أحمد الزفزافي كشف الجانب الإنساني للقضية، وذكّر بأن وراء الأرقام والمطالب أشخاصاً وعائلات يتألمون.

أزمة ثقة بين الدولة والمجتمع

يؤكد باحثون أن مشهد الحسيمة الأخير يعكس عمق أزمة الثقة بين الدولة والمجتمع في الريف. فالهتافات التي رافقت ظهور ناصر لم تكن مجرد تعبير عن التضامن، بل عن شعور راسخ بأن الدولة لم تستجب للمطالب الأصلية للحراك: مستشفى جامعي، جامعة، وبنى تحتية تعكس “المواطنة المتساوية” التي طالب بها المحتجون.

ملف لم يُغلق بعد

رغم مرور أكثر من ثماني سنوات على انطلاق حراك الريف، يبدو أن ملفه ما زال مفتوحاً، وربما أشد إلحاحاً اليوم. إذ يرى محللون أن استمرار اعتقال الزفزافي ورفاقه قد يتحول إلى عامل تأزيم دائم، يعرقل أي مسعى جاد نحو مصالحة شاملة في المنطقة. وفي المقابل، قد يشكّل إطلاق سراحهم خطوة رمزية كبرى تفتح الباب أمام صفحة جديدة بين الدولة وسكان الريف، وتعيد الثقة إلى مشروع الانتقال الديمقراطي الذي يمر بأوقات صعبة.

ظهور ناصر الزفزافي من قلب جنازة والده لم يكن مجرد استثناء قانوني، بل لحظة سياسية بامتياز، كشفت أن جروح الحراك لا تزال مفتوحة، وأن “المصالحة الحقيقية” لم تتحقق بعد. وبينما وارى الريف جثمان أحمد الزفزافي، فإن رمزية ابنه ناصر ما زالت حاضرة بقوة، تحمل معها كل الأسئلة المؤجلة حول العدالة والحرية والكرامة في المغرب.

رابط دائم : https://dzair.cc/bhzp نسخ