6 أكتوبر، 2025
ANEP الاثنين 06 أكتوبر 2025

جيل الغضب يواجه المخزن: احتجاجات “جيل زد” تفتح الباب لتحول سياسي واجتماعي عميق في المغرب

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
جيل الغضب يواجه المخزن: احتجاجات “جيل زد” تفتح الباب لتحول سياسي واجتماعي عميق في المغرب

تعيش المملكة المغربية منذ أواخر سبتمبر 2025 على وقع احتجاجات شبابية غير مسبوقة، تقودها حركة “جيل زد 212” التي انطلقت من رحم العالم الرقمي، وتحوّلت في ظرف أيام إلى موجة غضب واسعة ضد الحكومة المغربية وسياساتها الاجتماعية والاقتصادية. لليوم التاسع على التوالي، يخرج المئات من الشباب إلى الساحات في الدار البيضاء، الرباط، فاس، مراكش، الناظور، الحسيمة ومدن أخرى، رافعين شعاراتٍ تُطالب بإسقاط الملكية ورحيل الحكومة، وبإصلاح جذري لقطاعي الصحة والتعليم، ومحاربة الفساد الذي ينهش جسد الدولة منذ عقود.

تُعبّر هذه الحركة عن وعي جديد يتجاوز الأحزاب التقليدية والنقابات الرسمية. شبابٌ وُلد في زمن الإنترنت، لا يعترف بالوسائط القديمة ولا بخطاب السلطة المعلّب، وجد في منصات “ديسكورد” و”تيك توك” فضاءً للتعبئة الحرة، بعيدًا عن أعين الرقابة، ليعبّر عن جيلٍ سئم التهميش واحتكار الثروة والقرار. الحركة التي تضم أكثر من 180 ألف عضو على الإنترنت، أعلنت منذ البداية سلمية حراكها، رافضةً أي شكل من أشكال العنف أو التخريب، ومؤكدة أن المعركة هي معركة كرامة وعدالة اجتماعية.

لكنّ المشهد سرعان ما اتخذ طابعًا أكثر توتراً، بعد أن واجهت السلطات بعض المظاهرات بالقوة، ما أسفر عن إصابات واعتقالات واسعة. تقارير منظمات حقوقية مغربية ودولية تحدثت عن استخدام مفرط للقوة في بعض المدن، فيما أظهرت مشاهد ميدانية التزامًا لافتًا من المحتجين بالسلمية رغم الاستفزازات. هذه التناقضات كشفت هشاشة المقاربة الأمنية في مواجهة غضب اجتماعي متجذر في عمق الأزمة البنيوية للبلاد.

في العمق، لا تبدو مطالب “جيل زد” منفصلة عن الواقع الاقتصادي المتأزم. ارتفاع نسب البطالة بين الشباب، انهيار الخدمات الصحية العمومية، وتراجع مستوى التعليم، إلى جانب غلاء المعيشة، كلها عوامل فجّرت هذا الغضب المكبوت. مأساة مستشفى أكادير التي توفيت فيها ثماني نساء أثناء الولادة كانت القشة التي قصمت ظهر الصبر الشعبي، وحوّلت الاحتقان إلى حركة احتجاجية شاملة، تضع الحكومة أمام اختبار غير مسبوق.

سياسيًا، تجد حكومة أخنوش نفسها في مأزق مزدوج: فقدت ثقة الشارع، ولم تعد تملك رواية مقنعة لتبرير إخفاقاتها. أما “المخزن” بمؤسساته الأمنية والإدارية التقليدية، فيبدو عاجزًا عن فهم لغة الجيل الجديد، الذي لا يخاف من القمع ولا يتأثر بخطاب “الاستقرار” القديم. فجيل الإنترنت يرى أن الاستقرار الحقيقي لا يتحقق إلا بالعدالة الاجتماعية، لا بالخوف من الشارع.

اقتصاديًا، بات واضحًا أن أولويات الدولة تحتاج إلى إعادة ترتيب جذرية. ففي حين تُضخّ مليارات في مشاريع البنية التحتية العملاقة والملاعب استعدادًا لكأس العالم 2030، يعيش المواطن المغربي أزمات متراكمة في المستشفيات والمدارس والوظائف. هذا التناقض الصارخ بين “صورة الدولة في الخارج” و”حقيقة الواقع في الداخل” هو ما فجّر النقمة الشعبية الحالية.

أما اجتماعيًا، فقد كشفت الاحتجاجات عن تحوّل ثقافي عميق. جيلٌ وُلد في زمن الرقمنة والوعي العالمي بالحقوق، لم يعد يقبل بسياسة الصمت أو الخوف. يستخدم وسائل التواصل بذكاء لفضح التجاوزات وبناء سرديته الخاصة بعيدًا عن الإعلام الرسمي. هذه الديناميكية الجديدة جعلت من الصعب على السلطة التحكم في الرأي العام كما كانت تفعل في العقود السابقة.

وفي قراءة مستقبلية للأحداث، يرى محللون أن استمرار الحراك السلمي بهذا الزخم سيُرغم السلطة على مراجعة سياساتها، وربما إدخال إصلاحات ملموسة في مجالي الصحة والتعليم خلال موازنة 2026. غير أن تجاهل المطالب، أو محاولة الالتفاف عليها بخطابات مطمئنة، قد يدفع البلاد إلى مرحلة أكثر اضطرابًا، وربما إلى مواجهة أوسع بين الدولة والمجتمع.

إنّ احتجاجات “جيل زد” ليست مجرد غضب عابر، بل هي صرخة جيل جديد يريد أن يعيش بكرامة في وطنه، لا أن يهاجر قسرًا، ولا أن يُكمّم صوته باسم الأمن أو المصلحة العليا. والموقف الأخلاقي والسياسي الصائب هو الوقوف إلى جانب هؤلاء الشباب الذين اختاروا الشارع بدل الهجرة، والكلمة بدل العنف، والمطالبة بالإصلاح بدل الفوضى.

فإذا كان المخزن يراهن على مرور العاصفة، فعليه أن يدرك أن هذه المرة مختلفة: جيل “زد” لا ينسى ولا يخاف، بل يصرّ على أن تكون كلمته بداية لزمن جديد.

رابط دائم : https://dzair.cc/unbv نسخ