28 سبتمبر، 2025
ANEP الأحد 28 سبتمبر 2025

“جيل زد” المغربي الغاضب أدرك سبب معاناته وخرج إلى الشارع ليواجه المخزن المتحكم في رقابه ويُسقط النظام الملكي المستحوذ على ثرواته

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
“جيل زد” المغربي الغاضب أدرك سبب معاناته وخرج إلى الشارع ليواجه المخزن المتحكم في رقابه ويُسقط النظام الملكي المستحوذ على ثرواته

لم تعد احتجاجات الشباب المغربي حدثاً عابراً، بل أصبحت عنواناً لأزمة بنيوية عميقة. ما جرى خلال الأيام الأخيرة، حين خرج الآلاف متحدّين القمع الأمني لقوات المخزن، يكشف أن المغرب يقف عند مفترق طرق خطير ويدخل مرحلة من الفوضى التي قد تسبق التغيير الكبير على مستوى هرم السلطة: جيل جديد، وُلد رقمياً، يرفض الصمت، ويصرّ على مواجهة منظومة المخزن بكل رموزها، وعلى رأسها القصر الملكي الذي احتكر الاقتصاد وحوّل السياسة إلى مسرح فارغ.

الملك محمد السادس في قلب الأزمة وفي عين العاصفة

محمد السادس ليس مجرد “حَكم” أو “رمز وحدة وطنية” كما يروّج الخطاب الرسمي، بل هو رأس هرم اقتصادي وسياسي يسيطر على مسارات البلاد. شركته القابضة “المدى” (المعروفة سابقاً باسم “أونا”) تهيمن على قطاعات استراتيجية: البنوك، الاتصالات، الطاقة، التأمينات، العقار وأشياء أخرى كثيرة صنعت ثروته الطائلات التي قدرتها إحصائيات فوربس بأكثر من 7 مليار دولار. هذه السيطرة ليست مجرد استثمار مشروع، بل هي استحواذ ممنهج على مفاصل الاقتصاد المغربي، جعل الثروة الوطنية للبلاد تدور في فلك العائلة المالكة وحلفائها، بينما يعيش ملايين المغاربة التهميش والفقر والمعاناة يوميا وعلى مدار الساعة.

هذا الوضع المزري يعني أن مسؤولية الأزمة لا تقع على حكومة هشة وواجهة سياسية بلا صلاحيات حقيقية، بل على القصر الذي يحتكر القرار ويُدير اللعبة من وراء الستار، ويأتمر بأوامر من الخارج تأتيه من الكيان الصهيوني ومن فرنسا بشكل أساس.

حكومة عاجزة ومخزن متصلّب

الحكومة المغربية، مهما تغيرت وجوهها وأحزابها، لا تملك القدرة على الفعل. السياسات العامة تُرسم في القصر وفي مكتب الملك، والبرلمان مجرد ديكور. وحين ينفجر الشارع، يُدفع الوزراء لامتصاص الغضب، بينما يتحصّن المخزن خلف جدار الأمن. النتيجة: “غياب أي إرادة سياسية حقيقية للإصلاح”، وتعميق الشرخ بين المجتمع والدولة التي تحتكرها عائلة مالكة تتبع توجيهات الكيان الصهيوني، كما تحتكر قوت المغاربة الذين خرجوا اليوم للمطالبة بحقهم في حياة كريمة بعيدا عن العبث به وبخدمات تعتبر من الأولويات والضروريات على غرار الصحة والتعليم والشغل.

المقاربة الأمنية أثبتت فشلها في الريف وجرادة، واليوم تتكرر بنفس السيناريو مع “جيل زد” الحانق على الأوضاع المفروضة عليه والتي غيّبت عنه أفق الأمل إلى الأبد وأحلّت مكانه ظلاما دامسا لا يظهر معه أيّ بصيص. اعتقالات عشوائية، تفريق بالقوة، تشويه إعلامي. لكن هذه الإجراءات لم تزد الشباب إلا إصراراً على الاستمرار.

جيل زد: تحدٍّ جديد للمخزن

“جيل زد 212” ليس مجرد حركة احتجاجية عابرة. إنه تعبير عن وعي جيل جديد وُلد في قلب الإنترنت، متشبع بالحرية الرقمية، يتواصل بطرق يصعب اختراقها، ويقارن أوضاعه مع نظرائه في العالم من الشباب الذي يتمتع بخيرات بلاده ويتلمس حسن التدبير والتسيير من قبل ساسته والمسؤولين عن إدارة البلاد. هذا الجيل يرفض الانخراط في الهياكل الحزبية التقليدية التي فقدت المصداقية، ويرى في القصر والملك وعائلته وحاشيته والوجوه القديمة رمزاً للانسداد السياسي والاقتصادي وسببا مباشرا وحصريا لما آل إليه وضعه المأساوي من دمار على جميع الأصعدة النفسية والاجتماعية والاقتصادية.

الشباب المغربي الغاضب أطلق صرخة مدوية في الشوارع التي يبدو أنه لن يغادرها حتى ينتزع مطالبه الواضحة ولو كلّفه ذلك أن يحرق الأخضر واليابس: فرص عمل، عدالة اجتماعية، خدمات عمومية تليق بالإنسان، ومحاربة الفساد الذي يلتهم ثروات البلاد. وفي مواجهة هذه المطالب المشروعة، يردّ المخزن بالقمع بدل الإصغاء.

اقتصاد محكوم بالاحتكار

المعضلة الكبرى أن النظام الملكي ليس فقط فاعلاً سياسياً، بل أيضاً أكبر رأسمالي في البلد. تقارير اقتصادية عديدة كشفت أن شركة “المدى” تسيطر على حصص ضخمة من الاقتصاد المغربي، من البنوك (التجاري وفا بنك)، إلى شركات التأمين، مرورا بالاتصالات والعقار. هذا الاحتكار يعني أن أي إصلاح اقتصادي حقيقي يُهدد مصالح العائلة المالكة مباشرة.

وهكذا يجد المغرب نفسه في مأزق: من يمسك بزمام الدولة هو نفسه من يملك الثروة، ما يجعل الفصل بين السلطة والمال مستحيلاً، ويُغلق الباب أمام أي مسار ديمقراطي جاد.

مسؤولية الملك محمد السادس

بصفته رأس الدولة وصاحب النفوذ الاقتصادي الأكبر، يتحمّل الملك المسؤولية الأولى عن الوضع الراهن. لا يمكن القبول بالخطاب الرسمي الذي يُلقي باللوم على الحكومات المتعاقبة، بينما القرار الحقيقي بيده. “القصر ليس ضحية أزمة بنيوية، بل صانعها الأول”.

الاحتجاجات الشبابية ليست ضد وزير أو حكومة، بل ضد منظومة المخزن برأسها الملكي. محمد السادس الذي ورث الحكم منذ 1999 لم ينجح في بناء دولة عادلة، بل عزّز منطق الريع والاحتكار، وهو ما دفع الشباب اليوم إلى الانفجار في الشوارع.

مستقبل على صفيح ساخن

الجيل الذي يهتف اليوم في الشوارع سيكون خلال خمس سنوات في قلب سوق العمل ومواقع القرار. استمرار القمع لن يؤدي إلا إلى توسيع الفجوة وتحويل الغضب إلى ثورة مفتوحة تدخل البلاد في عاصفة لا تُبقي ولا تذر حتى يسقط نظام الفساد والاستبداد الذي طغى في البلاد. التاريخ علمنا أن الشعوب قد تصبر، لكنها لا تنسى، وخاصة لا تتنازل.

المغرب أمام لحظة حاسمة: إما أن يتخلى القصر عن احتكار الاقتصاد ويفتح المجال لإصلاح سياسي حقيقي تكلفته التنازل عن أمور كثيرة وصلاحيات كبيرة وعلاقات مشبوهة مع الكيان الصهيوني، أو أن يواجه جيل الغضب الذي يصرّ على أن زمن المخزن انتهى.

المعادلة اليوم واضحة: الأزمة المغربية ليست أزمة حكومة، بل أزمة ملكية. محمد السادس، بثروته الطائلة واحتكاره للاقتصاد، يقف في قلب المأزق. وجيل زد، بجسارته ورؤيته، يُعلن أن الصمت لم يعد خياراً. المستقبل في المغرب لن يُرسم في القصر وحده، بل في الشارع، حيث يهتف الشباب: “ما بغيناش كاس العالم و الصحة أولا”.

رابط دائم : https://dzair.cc/4whb نسخ