الخميس 18 ديسمبر 2025

“جيل زد” تعود لتملأ شوارع مدن المغرب بالاحتجاج.. لأن المخزن اختار الصمت على الإصغاء

نُشر في:
“جيل زد” تعود لتملأ شوارع مدن المغرب بالاحتجاج.. لأن المخزن اختار الصمت على الإصغاء

أعلنت حركة “جيل زد” في المغرب عن تنظيم احتجاجات جديدة نهاية الأسبوع الجاري، تعبيرًا عن غضبها من تفاقم مظاهر التهميش وتكرار الفواجع بعدد من المدن المغربية، وعلى رأسها فاس التي شهدت انهيار عمارتين سكنيتين، وآسفي التي عرفت سيولًا فيضانية خلّفت خسائر بشرية ومادية. وحمّلت الحركة الحكومة كامل المسؤولية السياسية والأخلاقية عمّا وصفته بسياسات الإهمال والاستهتار بالأرواح، مؤكدة أن ما تشهده البلاد ليس أحداثًا عرضية، بل نتائج مباشرة لغياب المحاسبة وتضييق الفضاء العام، وداعية إلى فعل احتجاجي جماعي وسلمي يومي 20 و21 ديسمبر دفاعًا عن الحق في الحياة والكرامة.

لم تعد الاحتجاجات في المغرب ترفًا سياسيًا ولا نزوة شبابية عابرة، بل صارت ردّ فعل طبيعيًا على دولة تُدير الأزمات بدل أن تمنعها، وتُراكم الفواجع بدل أن تُحاسِب المتسببين فيها. عودة حركة “جيل زد” إلى الشارع، تحت شعار “من أجل الحق في الحياة، الكرامة والمحاسبة”، ليست حدثًا معزولًا، بل اتهامًا سياسيًا مباشرًا موجّهًا إلى حكومة ونظام اختارا، مرة أخرى، الهروب إلى الأمام.

فواجع فاس وآسفي لم تكن زلازل مفاجئة ولا كوارث سماوية نزلت من فراغ. ما حدث كان موتًا بالإهمال، قتلًا ببطء، ونتيجة منطقية لسياسات تُقدّم التبرير على الوقاية، والبلاغات على القرارات، والصمت على المحاسبة. حين تقول “جيل زد” إن ما جرى “ليس قدرًا”، فهي تُسقط القناع عن الخطاب الرسمي الذي يحتمي دائمًا بفكرة “الحادث العرضي” لتبرئة نفسه من المسؤولية.

الخطير في الأمر أن الدولة، بدل أن تقرأ هذا الغضب بوصفه إنذارًا أخيرًا، تصرّ على التعامل معه كـ إزعاج أمني. تُطارد الأصوات، تُخيف المحتجين، وتُحاول تجفيف الشارع، وكأن المشكلة في من يصرخ، لا في من تسبّب في المأساة. هذا منطق مقلوب: تجريم الاحتجاج بدل تجريم الإهمال.

حركة “جيل زد” لا تطلب المستحيل. مطلبها بسيط حدّ الفضيحة: الحق في الحياة. حين يصبح هذا المطلب شعارًا احتجاجيًا، فهذا يعني أن الدولة فشلت في أبسط وظائفها. أي نظام هذا الذي يحتاج شبابه إلى النزول للشارع ليُذكّروه بأن حياة المواطنين ليست تفصيلاً ثانويًا في دفاتر السياسات العمومية؟

تحميل حكومة المخزن “كامل المسؤولية السياسية والأخلاقية” ليس مبالغة خطابية، بل توصيف دقيق للواقع. فالحكومة التي تجاهلت التحذيرات، ولم تتحرك قبل وقوع الكارثة، ولم تُحاسِب بعد وقوعها، لا تملك حق الادعاء بالبراءة. المسؤولية هنا ليست تقنية ولا إدارية، بل مسؤولية قرار، ومسؤولية صمت، ومسؤولية استمرار نفس السياسات التي أنتجت الموت.

الأكثر فداحة أن هذه الفواجع تأتي في سياق عام يتّسم بـ تراجع الحريات، وترهيب الأصوات الحرة، وتضييق الفضاء العام. أي أن الدولة لا تكتفي بإنتاج المأساة، بل تحاول أيضًا منع المجتمع من تسميتها باسمها. لكن التاريخ يُعلّم الشعوب أن القمع لا يطفئ الغضب، بل يؤجله ويُراكِمه.

عودة “جيل زد” إلى الاحتجاج ليست تهديدًا للاستقرار، بل نتيجة طبيعية لسياسة جعلت الاستقرار هشًّا. فالاستقرار الحقيقي لا يُبنى على الخوف، بل على العدالة؛ لا يُصان بالصمت، بل بالمحاسبة. وكلما أُغلقت أبواب السياسة في وجه الشباب، فُتحت أبواب الشارع على مصراعيها.

اليوم، الكرة في ملعب المخزن:
إما أن تعترف بأن ما وقع جريمة إهمال تستوجب المحاسبة،
أو أن تواصل سياسة الإنكار… وتستعد لموجات غضب أكبر.

فـ جيل زد لا يعود لأنّه يحب الاحتجاج، بل لأن الدولة لم تترك له خيارًا آخر.

رابط دائم : https://dzair.cc/dnp9 نسخ

اقرأ أيضًا