19 أكتوبر، 2025
ANEP الأحد 19 أكتوبر 2025

جيل “زد” يردّ على خطاب محمد السادس بالعودة إلى الشارع واستئناف الاحتجاجات

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
جيل “زد” يردّ على خطاب محمد السادس بالعودة إلى الشارع واستئناف الاحتجاجات

ثمانية أيام فقط كانت كافية ليكتشف المخزن أن الصمت ليس نهاية الحراك، بل هو هدوء ما قبل العاصفة، وها هو “جيل زد” يعود من جديد، أكثر تنظيمًا، أكثر وعيًا، وأكثر إصرارًا على كسر معادلة الخوف التي حكمت علاقة المغربي بالمخزن لعقود.
العودة لم تكن عشوائية ولا انفعالية، بل جاءت بعد تصويت داخلي إلكتروني، في إشارة رمزية إلى جيلٍ يؤمن بالديمقراطية الرقمية أكثر من مؤسسات التمثيل الكلاسيكية التي فقدت مصداقيتها.

جيل يكتب السياسة من الصفر

في المدن الكبرى من الدار البيضاء إلى وجدة، خرج الشباب من خلف الشاشات إلى الساحات، لا شعارات حزبية ولا رايات أيديولوجية، فقط كلمات بسيطة تلامس جوهر الأزمة: كرامة، عدالة اجتماعية، محاسبة، رحيل الفاسدين، إنها عودة إلى المعنى الأصلي للاحتجاج، إلى السياسة بوصفها صرخة الحياة ضد البؤس، لا سباقًا انتخابيًا وهميا على مقاعد أصحابها تعينهم مخابرات المخزن.
حين يهتف شباب في العشرين من أعمارهم بـ“أخنوش ارحل”، فهم لا يخاطبون شخصًا، بل نظامًا كاملًا من الاحتكار والتواطؤ جعل من الاقتصاد المغربي حكرًا على قلة محظوظة، ومن الفقر قدرًا لغالبية الشعب، إنّهم يعنون ضمنا محمد السادس وعائلته الملكية التي نهبت أموالهم طيلة عقود.

السلطة تختار الصمت… ولكن إلى متى؟

المفارقة أن المشهد هذه المرة كان سلميًا بالكامل، وكأن الطرفين يختبران بعضهما: الحركة تختبر قدرتها على التعبئة بدون عنف، وسلطات المخزن تختبر صبرها على الشارع بدون هراوات، لكن صمت الدولة لا يعني بالضرورة حكمة، بل حيرة سياسية أمام ظاهرة غير مسبوقة: حركة شبابية لا رأس لها، لا زعيم، لا تمويل، ولا هوية سياسية يمكن اختراقها.

كيف تحاور سلطةٌ مركزية جيلًا لامركزيًا؟ كيف تُخيف من يعيش في العالم الرقمي، لا في حدود الدولة القديمة؟ الملك محمد السادس تحدث أمام البرلمان قبل أيام، لكنه لم يأتِ على ذكر “جيل زد” ولا مطالبها. صمتٌ فُهم على نطاق واسع كرسالة برود أو تجاهل، وكأن القصر يراهن على أن الموجة ستمر، لكن ما يغفل عنه كثيرون أن هذا الجيل لا يملك رفاهية الانتظار، فهو يرى مستقبله يُسرق أمام عينيه.

جيل يكتب فصلاً جديدًا في علاقة المغاربة بالسلطة

الاحتجاجات الأخيرة كشفت أن الهوية السياسية الجديدة للمغربي الشاب لم تعد رهينة الشعارات القديمة، بل تتأسس على الوعي بالكرامة الفردية والمساءلة والمساواة. جيل “زد” لا يطلب صدقات، بل يطالب بحقوقه كمواطنٍ كامل الأهلية في وطنٍ يحلم به؛ لا يميّز بين “ابن الوزير” و“ابن الحي الشعبي”.
ولهذا تحديدًا، يشكّل تهديدًا حقيقيًا لبنية النظام كما عرفها المغرب منذ الاستقلال: نظام قائم على التراتبية، والزبونية، والخوف من التغيير.

المغرب أمام مرآته الجديدة

الاحتجاجات السلمية الأخيرة ليست مجرد حدث سياسي، بل اختبار وطني للكرامة والعقل، فإن اختارت الدولة المغربية طريق الحوار والمحاسبة، فقد تكتب فصلاً جديدًا في مصالحتها مع جيل المستقبل، وإن لجأت إلى خيارات المخزن القائمة على القمع والتجاهل، فإنها تغامر بإشعال فتيلٍ لا يُطفأ.

لقد كسر “جيل زد” حاجز الخوف، وأثبت أن المغرب يعيش لحظة وعي جماعي نادرة، لحظة لا يصنعها حزب ولا تُديرها وزارة، بل يصنعها شباب قالوا أخيرًا: “نحن من يكتب الغد، ولن ننتظر الإذن من أحد.”

رابط دائم : https://dzair.cc/j2mv نسخ