13 أكتوبر، 2025
ANEP الاثنين 13 أكتوبر 2025

جيل “زد” يقاطع المدرجات: عندما يُحول المخزن كرة القدم إلى صنف جديد من المخدرات لتغييب الوعي

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
جيل “زد” يقاطع المدرجات: عندما يُحول المخزن كرة القدم إلى صنف جديد من المخدرات لتغييب الوعي

في المغرب، لم تعد المدرجات مجرد مكان للهتاف، بل تحولت إلى منصة احتجاج صامتة.
حين دعا شباب “جيل زد 212” إلى مقاطعة مباراة منتخب البلاد ضد الكونغو، لم يكن الهدف هو الإساءة إلى “أسود الأطلس”، بل إلى منظومة الأولويات المقلوبة التي جعلت من المستطيل الأخضر مسرحًا لترفٍ مموّل على حساب العقول والضمائر.

كرة القدم.. اللعبة التي فقدت شغفها

لسنوات، كانت السلطة تراهن على كرة القدم كـ”أفيون” يوحد الجماهير ويمتص الغضب.
لكن هذا الجيل الجديد قرر أن يقول كفى.
“نحب المنتخب، لكننا نحب العدالة أكثر”، تقول شعاراتهم التي تنتشر كالنار في الهشيم على المنصات.
جيل وُلد في زمن البطالة والغلاء وفقدان الأمل، يكتشف أن الهتاف في المدرجات لم يعد مجديًا، وأن أجمل أهداف الحياة تُسجَّل خارج الميدان، حين يُعاد ترتيب أولويات الوطن.

المدرجات الفارغة… بيان سياسي بصيغة مدنية

قد يبدو قرار المقاطعة بسيطًا، لكنه في الحقيقة ضربة رمزية موجعة للنظام القائم على الاستعراض بدل الإنجاز.
فالصورة التي كان المخزن يسعى لتصديرها — مدرجات ممتلئة بالأعلام والأهازيج — قد تنقلب فجأة إلى فراغٍ صامتٍ أكثر دوياً من أي هتاف.
إنها رسالة من جيل لا يملك منابر إعلامية، ولا أحزاب تمثله، لكنه يتحدث بلغة الحضور الغائب: الغياب عن الملعب هو شكل من أشكال الحضور في الوعي العام.

“الولاء” لم يعد يعني التصفيق

جيل “زد” لا يعارض المنتخب، بل يعترض على الإنفاق بلا ميزان.
كيف يمكن أن تُصرف الملايين على المنشآت الرياضية فيما المدارس تئن والمستشفيات تنهار؟
كيف يُرفع العلم في الملاعب بينما تُطوى كرامة المواطن المغربي في الطوابير أمام المستشفيات والصيدليات؟
هؤلاء الشباب لا يريدون حرمان أحد من الفرحة، بل يريدون وطناً يمكن أن يفرح فعلاً، لا أن يتجمّل بالألعاب النارية فوق الخراب.

جيلٌ يكتب فصلاً جديداً في السياسة المغربية

ما يحدث ليس نزوة شبابية، بل بداية تحوّل في الوعي الجمعي المغربي.
جيل “زد” لا يرفع الشعارات الحزبية، بل يرفع الأسئلة المؤرقة: من يقرر أولوياتنا؟ من يستفيد من الإنفاق العام؟ ولماذا تُعتبر كرة القدم مقدسة بينما التعليم والصحة محرومان من التمويل؟
هذه المقاطعة ليست ضد المنتخب… بل ضد ثقافة “الفرجة الوطنية” التي تُستعمل لتجميل وجوه الفشل.

الملعب صار مرآةً للوطن

حين يجلس الآلاف في بيوتهم يوم المباراة، لن تكون المقاعد الفارغة مجرد صدفة، ستكون مرآة للوطن الفارغ من العدالة، الممتلئ باللا مساواة، وسيفهم الجميع — عاجلاً أم آجلاً — أن المقاطعة ليست خيانة، بل صرخة حبٍّ لوطنٍ يستحق أكثر من احتفالات شكلية.

رابط دائم : https://dzair.cc/49wq نسخ