مرّة أخرى، يسقط القناع عن وجه المخزن، وتنكشف هشاشة خطابه المكرّر حول “الإصلاح” و”الانتقال الديمقراطي”. نداء حركة “جيل زد” لجمع الأدلة حول “أحداث القليعة” ليس مجرّد مبادرة شبابية عاطفية، بل هو إعلان صريح عن انكسار حاجز الخوف في وجه آلة القمع، ورسالة جريئة من جيلٍ وُلد في زمن الرقابة لكنه تعلّم كيف يقاومها بأدواتها.
فبينما يروّج المخزن أمام المنتظم الدولي لصورة “المغرب الديمقراطي”، يواصل في الداخل ممارسة سياسة الحديد والنار ضد كل من يجرؤ على مساءلة السلطة أو يرفع صوته بالمطالبة بالكرامة. أحداث القليعة ليست سوى حلقة جديدة في مسلسل القمع الممنهج الذي يستهدف الأصوات الحرة، تحت ذرائع جاهزة تُخفي جوهر الأزمة: خوف النظام من وعي جديد يتشكّل في عمق المجتمع المغربي.
الحكم على شباب القليعة بأحكام تصل إلى 15 سنة سجناً نافذاً، فقط لأنهم عبّروا عن غضبهم، هو دليل على أن المخزن لم يتغيّر قيد أنملة منذ “سنوات الرصاص”، بل استبدل الهراوة القديمة بأخرى رقمية، يراقب بها هواتف المواطنين، ويتجسس على منشوراتهم، ويجرّم الكلمة الحرة. لكن هذا الجيل، الذي لم يعش مرحلة الخوف، لم يعد يقبل أن يعيش في صمتٍ يبرّر استبداد الدولة.
نداء “جيل زد” لجمع الصور والفيديوهات والشهادات حول ما جرى في القليعة هو تمرين على العدالة الشعبية في زمن تواطؤ القضاء. إنه إعلان ثقة في قوة الذاكرة الجماعية، ورسالة إلى العالم بأن الحقيقة لا تموت وإن أُغلقت عليها الزنازين. فالشباب اليوم لا ينتظرون بلاغات الداخلية ولا بيانات النيابة العامة، بل يصنعون روايتهم بأنفسهم، يوثّقونها، ويحمّلونها إلى ذاكرةٍ رقمية لا يمكن مصادرتها.
المخزن، الذي يحاول تسويق “نموذج الحكم الذاتي” في الصحراء الغربية على أنه دليل على انفتاحه الديمقراطي، فشل في أبسط اختبار داخلي: أن يمنح مواطنيه حق التظاهر والتعبير دون خوف. فكيف يُقنع العالم بقدرته على منح الصحراويين حقوقهم، وهو يعجز عن تحمل صوت شابٍ غاضب في القليعة؟ كيف يحدّث الغرب عن “اللامركزية” بينما يعتقل من ينتقد “المركز”؟
حركة “جيل زد” لا تُطالب بالمستحيل. كل ما تريده هو كشف الحقيقة وضمان العدالة. لكن المخزن، كعادته، يقرأ الحقيقة تهديداً، والعدالة مؤامرة، والصورة دليلاً على “الخيانة”. ومع ذلك، فإن هذا الوعي الجديد الذي يصعد من الهامش، وهذه الجرأة الرقمية التي لا يمكن قمعها بالهراوة أو بالرقابة، هي التي ستعيد رسم ملامح المغرب الحقيقي — مغرب المواطنين لا الرعايا، مغرب الكرامة لا الخضوع.
إن القمع لا يُسكت جيل “زد”، بل يزيده صلابة. وكل فيديو أو شهادة تُجمع اليوم حول “أحداث القليعة” ليست فقط دليلاً على ما حدث، بل لبنة في بناء ذاكرة وطنية مضادة، تكسر احتكار المخزن للسرد، وتفضح أكاذيبه أمام الداخل والخارج على حد سواء.
لقد بدأ زمن سقوط الأقنعة، والمخزن، مهما بدت قبضته قوية، لن يصمد طويلاً أمام جيلٍ مسلّح بالحقيقة، وواعٍ بأن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع.
