الاثنين 17 نوفمبر 2025

حركة “ضمير” تُشخّص انهيار الحقل السياسي المغربي: أزمة شرعية وفساد مُمنهج ونموذج انتهت صلاحيته

نُشر في:
حركة “ضمير” تُشخّص انهيار الحقل السياسي المغربي: أزمة شرعية وفساد مُمنهج ونموذج انتهت صلاحيته

لم تعد أزمة الحقل السياسي في المغرب تحتاج إلى محللين ولا إلى تسريبات ولا إلى شهادات من الخارج، فقد تكفلت بها هذه المرة حركة “ضمير” من قلب الرباط، وهي تُصدر مذكرة سياسية بصيغة إعلان وفاة لنموذج بكامله. ما قالته الحركة ليس جديداً على المتابع الجزائري، لكنه صدمة مدوّية للرأي العام المغربي الذي تعوّد أن يرى عبر إعلام المخزن “ديمقراطية مزدهرة” و“أحزاباً قوية”، بينما الواقع – كما تصفه الوثيقة – ليس سوى حقل محترق تتصارع داخله شبكات المال الفاسد، وتتناسل فيه قيادات حزبية بلا شرعية ولا كفاءة، في عسف سياسي لم يعد حتى المكياج الإعلامي قادراً على تغطيته.

فالحركة تؤكد أن الأحزاب المغربية تدار بعقليات متجاوزة، وأن غياب الديمقراطية الداخلية فتح الباب لتسلل عناصر غير موثوقة صنعتها شبكات النفوذ والمال، وأن الانتخابات تحولت إلى مزاد علني تُباع فيه التزكيات وتُشترى الأصوات وتُرتّب النتائج قبل أن تفتح المكاتب أبوابها. أما الحكومة الحالية التي يدافع عنها الإعلام الرسمي بكل ما أوتي من تلميع، فتكشف الوثيقة أنها كانت “محظوظة” بكل المقاييس: وجدت مشاريع جاهزة، وموارد مالية لم تتوفر لغيرها منذ عقدين، ومع ذلك فشلت في ترك أي أثر إيجابي يلمسه المواطن. بل إن عجزها هو الذي فجّر موجات الاحتجاج في قطاعات التعليم والصحة والمحاماة ومناطق متعددة، ما يكشف أن الشرخ أصبح أعمق من قدرة السلطة على رتقه بالزيارات الميدانية الارتجالية أو إخراج تجهيزات من مخازن مغلقة منذ سنوات.

وتذهب “ضمير” أبعد من ذلك، حين تقرّ أن المشكل ليس تقنياً ولا تنظيمياً، بل في “النموذج السياسي نفسه”. نموذجٌ لم يعد قادراً على إقناع المواطن بأي شيء، فقد استُهلكت وعوده، واهترأت قياداته، وفقدت مؤسساته ما تبقى من مصداقية. المواطن المغربي – كما تقول الحركة – لم يعد يثق في نخب شاركت بنفسها في تبخيس العمل السياسي وإفقاده هيبته، فكيف يمكن بناء ديمقراطية في ظل انعدام الثقة وغياب الشرعية الأخلاقية والسياسية؟

وتقترح الحركة “قطيعة” مع السلوكيات التي رسّخها المخزن لعقود طويلة، عبر استقلالية حقيقية للفاعلين السياسيين، وأخلقة صارمة للحياة العامة، وإصلاح جذري لقوانين الانتخابات. وهي مطالبة تكشف حجم الخراب، إذ لا تُطرح هذه الأفكار عادة إلا حين يصل النظام إلى حافة الانسداد، وحين تصبح الترميمات الصغيرة غير قادرة على إنقاذ البنيان من الانهيار.

الأكثر لفتاً هو أن الحركة دعت إلى تعزيز الحياد الملكي، في خطوة تعتبر اعترافاً صريحاً بأن المؤسسة الملكية أصبحت جزءاً من المشكلة في أعين المواطنين، وأن استعمال شخص الملك في الصراع السياسي وصل مستوى لم يعد قابلاً للتبرير ولا للإخفاء. كما لامست الحركة خطوطاً حمراء أخرى تتعلق بتداخل السلطة والمال، وتوريث الزعامات الحزبية، وهيمنة دوائر نافذة لا تخضع لأي رقابة ولا محاسبة.

إن ما تقوله “ضمير” اليوم هو ما كانت الجزائر تقوله منذ سنوات: إن النموذج السياسي المغربي فقد صلاحيته، وإن إدارة الشأن العام بمنطق الولاءات والصفقات لا يمكن أن تنتج ديمقراطية، ولا استقراراً دائماً، ولا ثقة شعبية. وفي الوقت الذي اختارت فيه الجزائر طريق الإصلاح المؤسساتي، ومحاربة المال الفاسد، وتعزيز السيادة الشعبية، تكشف الساحة المغربية – بشهادة أهلها – نظاماً يعيد تدوير نفسه دون أن يعالج أعطابه البنيوية.

مذكرة “ضمير” ليست وثيقة تقنية، بل صرخة داخلية تؤكد أن المغرب يواجه أزمة شرعية حقيقية، وأن مواطنيه لم يعودوا مستعدين للعب دور المتفرج على مسرح سياسي تُدار مشاهده من فوق، بينما تُفرض عليهم نتائج لا علاقة لها بصناديق الاقتراع. إنها لحظة مواجهة مع الحقيقة، والمخزن اليوم هو آخر من يريد سماعها. لكن الحقيقة خرجت من عمق المشهد، ولم يعد من الممكن إعادتها إلى الصمت.

رابط دائم : https://dzair.cc/5hff نسخ

اقرأ أيضًا

×
Publicité ANEP
ANEP PN2500015