18 سبتمبر، 2025
ANEP الخميس 18 سبتمبر 2025

حفلة الخيانة: زفافُ مهرّب مخدرات وزعيم عصابة يفضح وجه المخزن القبيح المتستّر على المجرمين

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
حفلة الخيانة: زفافُ مهرّب مخدرات وزعيم عصابة يفضح وجه المخزن القبيح المتستّر على المجرمين

لم يكن زفاف موسى أزغنغان، مجرد احتفال عائلي عابر، بل عرضًا فاحشًا للبذخ والمال الحرام. العروس تزف على وقع زخات من الأوراق النقدية المتطايرة من السماء (فئة 50 أورو)، في مشهد يختصر كيف تُدار السلطة والثروة في بلد مأزوم. السيارات الفارهة بدون لوحات ترقيم اصطفّت على جانبي الطريق وكأنها معرض دولي للترف، بينما المدعوون الملتفون حول عدد من المغنين المعروفين في الساحة الفنية المغربية، تنافسوا في استعراض المجوهرات والملابس الباهظة، وأقبلوا على التهام الكركند والمأكولات البحرية، غير مبالين بملايين الفقراء المغاربة الذين يسحقهم الغلاء.

الفضيحة التي حدثت منتصف أغسطس في أزغنغان، وهي مدينة مغربية تقع غرب الناظور، على بُعد 40 كيلومترًا فقط من مليلية، لم تتوقف عند المال، بل وصلت إلى استعراض القوة: ضيوف يرتدون أقنعة ويمتشقون أسلحة كلاشينكوف تُرفع في الهواء وسط التصفيق والهتاف. هذه ليست سوى بعض تفاصيل حفل الزفاف المذهل لأحد أكبر تجار المخدرات في العالم، موسى أزغنغان (المعروف باسم موسى “الريفينو”)، لتبعث رسالة واضحة بأن هذه “الأعراس” تحميها شبكات النفوذ والمافيا، لا القانون ولا الدولة. الزفاف تحول إلى مسرحية صادمة تُعرّي الوجه الحقيقي لنظام يُغرق البلاد في الفقر والبطالة، لكنه يفتح أبواب الجنة لزمرة من المحظوظين الفاسدين.

ما جرى في ذلك الحفل الفاحش الذي بلغت تكلفته، وفقًا لمصادر استشارتها صحيفة “الإندبندينتي” الإسبانية، حوالي 7 ملايين يورو، وبلغت أجور المغنيين وحدها 200 ألف يورو، ليس مجرد فوضى اجتماعية أو حادثة تافهة يُضحك عليها الرأي العام، بل شهادة دامغة على فساد منظّم ومؤسَّس. حين تُسقَط آلاف الأوراق النقدية من السماء وكأنها مطرٌ من الفضيحة، وحين تُرفع البنادق كزينة طقوسية بين المدعوين، تصبح الصورة واضحة: هنا ليست دولة تحارب الجريمة… هنا دولة تشرعن الفساد وتحتفي به.

ووفقًا لهذه الصحيفة، فإن العريس، موسى، شاب يبلغ من العمر حوالي 27 عامًا، مطلوب دوليًا، في المقام الأول بتهمة استيراد الحشيش من أفريقيا. كما تتهمه مصادر مغربية “بالعمل على الساحل بين الناظور والدريوش – المقاطعة المجاورة – بموجب عشرات مذكرات التوقيف بتهم القتل والهجرة غير الشرعية والجرائم المالية”. ويشير المصدر المذكور إلى أنه “في كل مدينة مغربية، يعرف الناس أسماء المهربين وكيف يستثمرون الأموال المغسولة”.

وفي حين لم تظهر صور للعروس مريم، إلا أنه وفي غضون ساعات، امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بصور ومقاطع فيديو لليوم المذكور، 16 أغسطس، تُظهر البذخ والفخامة من خلال معرض رقمي لم يعد فيه تجار المخدرات يختبئون. وشهدت الحفلة إطلاق نار في الهواء، وحراس شخصيين بملابس السهرة الرسمية، وألعاب نارية، وضيوف يلقون أوراقا نقدية على الحشود كما في حفلات أمراء الخليج، كما أظهرت الشاشات العملاقة في قاعة الرقص الفخمة، حيث أقيم الحفل، مئات الأشخاص وهم يصورون أو يجمعون الأموال من الأرض، وسط نشوةٍ جماعيةٍ لتاجر المخدرات المتزوج حديثًا.

وامتدّ العرض الباذخ أيضًا إلى المهر والهدايا المُقدّمة للضيوف، حيث شارك رجال يرتدون الأبيض ويعتمرون الطربوش في استعراضٍ حافل، حاملين صناديق مليئة بالمجوهرات الذهبية، وحقائب غوتشي أو شانيل، وعطور برادا أو لانكوم، وجميع أنواع السلع الفاخرة. ولم يكن الطعام شحيحًا أيضًا. ومن بين أدوات المائدة الذهبية والأطباق البيضاء، وُضعت أطباق الإمبانادا، واللحم المشوي، والكركند مع الأناناس، والروبيان، والسلطعون، والفواكه.

واستقبلت مجموعة من الصور الضيوف بعبارات “زفاف العام” و”قصة حبنا المثالية”. ووصل العديد منهم في سلسلة من السيارات التي كُتبت على لوحاتها اسم موسى أو أي كلمة أخرى، مثل اسم المدينة التي تستضيف الاحتفالات. عند مدخل الحفل، حرس المنزل بسيارات مرسيدس رباعية الدفع، تتدلى الثريات والأضواء من كل زاوية.


زفاف للمافيا في وضح النهار وتحت أسماع “باربوز المخزن”

وسائل إعلام إسبانية أكدت أن أصداء الاحتفالات وصلت إلى مسامع عبد اللطيف الحموشي، رئيس المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (DGST)، وهي وكالة الاستخبارات الداخلية المغربية، ومهندس عمليات التنصت على المكالمات الهاتفية “بيغاسوس”. ويعترف مصدر محلي طلب عدم الكشف عن هويته خوفًا من الانتقام، قائلاً: “بلغت الضجة حدًا اضطره للتدخل عبر وسائل الإعلام فقط”.

لا عذر للسكوت. حفلات كهذه لا تُقام إلا بتغطية وغطاء. ليست مصادفة أن يتحوّل زفاف إلى مهرجان تباهٍ بعائدات التهريب وغسيل الأموال، وأن يُخرج المشاركون أسلحةً وكأنهم يحتفلون بانتصارٍ على القانون نفسه. هذا مشهد دولة تلتقط صورة لنفسها وهي تعانق الفساد بدل أن تحاربه.

لم يكن سراً أن أباطرة المخدرات كانوا يجمعون ثروات طائلة، كما لم يكن سراً أن المغرب المجاور قد وفر ملاذاً للعديد من هؤلاء المهربين القادرين على تنسيق دخول المخدرات إلى أوروبا براً وبحراً وجواً. وبينما تفتقر القيمة الحقيقية لتجارة المخدرات في المغرب إلى أرقام دقيقة، إلا أن الخبراء ومراكز الأبحاث يقدرون أن تجارة الحشيش غير المشروعة في المغرب تتراوح بين عدة مليارات وعشرة مليارات يورو سنوياً، شاملةً هوامش الربح حتى البيع النهائي في السوق الأوروبية.

مؤسسات مختطفة، عدالة مرفوعة عن التطبيق

أما المضحك المبكي فهو عبارة السلطات، التي تُطلق بياناتٍ شكلية وتعلن توقيفات مؤقتة، بينما يبقى الوجه الحقيقي للمهرجان حراً، يتبجج ويختفي. الاعتقالات الجزئية تُستخدم كمساحيق تجميل لتهدئة الرأي العام، لكن القواعد الحقيقية للحكم فيما يبدو تُصاغ في أروقة أخرى، بعيدًا عن القانون وعن مساءلة حقيقية.

فرغم ما حاولت أبواق المخزن الترويج له من كون الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء شنت مداهمتين أسفرتا عن اعتقال 34 شخصًا ومصادرة أسلحة نارية عُرضت خلال موكب الزفاف، إلا أنّ عدة مصادر أكّدت أن موسى لم يكن من بين المعتقلين. وأوضح أحد الأشخاص الذين تمت استشارتهم، والمطلع على مجريات الأمور في مملكة محمد السادس: “لم يُعتقل زعماء تهريب المخدرات، رغم التقارير التي أفادت باعتقالهم. تدخل الحموشي لأن بعض تجار المخدرات المطلوبين حضروا حفل الزفاف ووصلوا بسيارات فاخرة. وبدأ الرأي العام يتساءل عن كيفية دخول هؤلاء التجار إلى المغرب ولماذا لم يُعتقلوا”. وأضاف: “لقد خرج الأمر عن السيطرة”.

وتوضح بعض المصادر المطلعة على الحدث أنه في اليوم التالي، انتشر الحديث في البلاد، حتى أن البعض قيل إن زفاف موسى طغى على زفاف الملك محمد السادس.

وأكّدت مصادر موثوقة أنّ موسى فرّ مع زوجته إلى الساحل الإسباني بعد تدخل قوات الأمن المخزنية، حيث تلقى اتصالاً بالهروب إلى إسبانيا، وهو الآن في مكان ما في أوروبا. ما انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي دفع بعض قطاعات الدولة المغربية إلى التحرك، ليس لمحاولة القبض على الجناة، بل للتستر عليهم وحماية أنفسهم من أمور أخرى، كما أوضحت المصادر.

وأضاف مصدر آخر: “اتخذت الحكومة إجراءاتها بعد انتهاء الحفل، ثم أبلغت موسى بوجوب مغادرته. وسهّلت له مغادرة منطقة الريف التي تُدار أمنياً بنفس طريقة إدارة الصحراء الغربية. الفرق الوحيد هو أن منطقة الريف تخضع لإشراف وزارة الداخلية، بينما في الصحراء الغربية، تُدار الشؤون الأمنية من قِبل المخابرات العسكرية بالتعاون مع جهات أمنية أخرى”. واختتم قائلاً: “كان من بين المعتقلين أشخاص يحملون أعلام الريف وآخرون أطلقوا النار احتفالاً بالزفاف. كان من الممكن أن تسير الأمور على ما يرام، لكن استخدام الذخيرة الحية خلال الاحتجاجات ضغط على بعض الجهات الحكومية لاتخاذ إجراءات”. في إشارة إلى ما يُسمى بـ”الزفاف الأسطوري” الذي هزّ صيف المغرب.

ساعة الحساب آتية

كيف يتحوَّل الوطن إلى منصة عرض للمجرمين؟ كيف تُصبح الولائم مظاهر فخرٍ لعصابات تغطي سطوها على المال العام وتزرع ترهيبها في الأحياء؟ هذا ليس عجزًا مؤسسيًا عابرًا، بل هو تواطؤ من طرازٍ رفيع، يستدعي قدرةً على قول الحقيقة بصوتٍ عالٍ: هناك منظومة تسهّل وتشرعن وتغطي على مجرمين بدل محاسبتهم.

السلطة قد تبتسم اليوم بمجاملاتٍ دولية وبشاشات مُزيّفة، لكنها لا تستطيع طمس حقيقة أن شعبًا منهكًا يرى أمامه رموزًا تتباهى بثرواتٍ مسروقة. الغضب يتجمع، والذاكرة الشعبية طويلة الأمد. لا حماية في العالم تكفي لمن باع كرامة شعبه وسمعته.

لقد بات من الضروري في المغرب أن يُطرح السؤال: أي حق يملك هذا النظام المخزني ليطالب بالشرعية وهو يبارك احتفالات تهديم الدولة المغربية بالمال المسروق والرشاش؟ ألم يحن وقت المحاسبة الحقيقية، ليس عبر بيانات الاستنكار المؤقتة، بل من خلال محاكمات شفافة وعقوبات رادعة تضرب في العمق شبكة الفساد التي تبرع في تنميق صورها عبر حفلات ومسرحيات فاسدة، وكذلك من يحمونهم من المسؤولين الكبار في منظومة المخزن وعلى رأسهم الملك وعائلته الملكية.

رابط دائم : https://dzair.cc/he8u نسخ