في الوقت الذي تتهاوى فيه بيوت غزة تحت القصف، وتُزهق أرواح الأبرياء في مشهدٍ يهزّ الضمير الإنساني، ترسو في ميناء طنجة المتوسط سفينة حربية المنحى، محمّلة بشحنة متجهة إلى حيفا وأسدود.
حدثٌ كهذا، في بلدٍ يدّعي نصرة فلسطين، لم يكن ليحدث لولا صمت المخزن وتواطؤ مؤسساته بالصمت الممنهج.
السلطات المغربية لم تُصدر بياناً، ولم توضّح للرأي العام كيف ولماذا يُستعمل ميناء وطني لتمرير شحنات عسكرية نحو جيشٍ يرتكب جرائم حرب.
وعندما حاولت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تقديم بلاغ رسمي، رفضت النيابة العامة حتى استلامه.
هل نحن أمام دولةٍ تخاف من الحقيقة؟ أم أمام سلطةٍ قررت أن تصمّ أذنيها عن كل ما يُحرجها أمام حلفائها في تل أبيب وواشنطن؟
المخزن… من دعم فلسطين إلى حماية مصالح الاحتلال
لقد تحوّل الموقف الرسمي المغربي من الدفاع عن فلسطين إلى الدفاع عن الصفقات. ففي الوقت الذي يُطالب فيه الشعب المغربي بقطع كل أشكال التطبيع، يُصرّ المخزن على إدارة ظهره لهذا الإجماع الشعبي، مفضلاً حسابات التطبيع السياسي والاقتصادي على حساب القيم والمبادئ.
إنّ التطبيع ليس مجرد علاقات دبلوماسية؛ بل منظومة متكاملة من التعاون الاقتصادي والعسكري، تتغلغل في الموانئ والعقود التجارية والمشاريع المشتركة.
وما حدث في طنجة ليس استثناءً، بل نتيجة طبيعية لمسارٍ بدأ منذ توقيع اتفاق التطبيع، حين رُفع شعار “المصلحة الوطنية”، بينما الحقيقة أنّ القرار الوطني أصبح أسيرًا لإملاءات الخارج.
ازدواجية الخطاب… وانفصال الدولة عن المجتمع
يتحدث المخزن في المحافل الدولية عن “الحق المشروع للشعب الفلسطيني”، لكنه في الميدان يسمح لسفن الإبادة بالمرور تحت رايته.
يُرسل الوفود للتنديد بالاحتلال، ثم يفتح الموانئ لشركاتٍ تنقل السلاح إليه. إنها سياسة بوجهين: خطاب أخلاقي للاستهلاك الداخلي، وممارسة واقعية لإرضاء التحالفات.
وهنا يكمن جوهر المأزق المغربي: سلطة تتحدث باسم التاريخ والعروبة، لكنها تُمارس سياساتٍ تفكّك هوية البلاد وتشوّه صورتها أمام شعوب المنطقة.
بين الصمت والمحاسبة
إنّ ما يحدث ليس مجرد “سوء تقدير سياسي”، بل خيار ممنهج، خيار يضع الدولة في مواجهة مجتمعها، ويحوّل الصمت الرسمي لنظام المخزن إلى شهادة تواطؤ في زمنٍ لا يرحم فيه التاريخ المترددين.
لقد آن الأوان لأن يُقال بوضوح: من يسكت على مرور الأسلحة إلى المحتل لا يمكنه أن يدّعي الحياد، ومن يمنع التحقيق في الجرائم لا يمكنه أن يتحدث عن سيادة القانون.
