الثلاثاء 23 ديسمبر 2025

حين يغيب الملك.. من يحكم المغرب فعلًا؟.. بقلم معمر قاني

نُشر في:
بقلم: معمر قاني
حين يغيب الملك.. من يحكم المغرب فعلًا؟.. بقلم معمر قاني

ليس الخبر في أن يقضي محمد السادس رأس السنة خارج المغرب، ولا في تنقله بين باريس والإمارات وشرم الشيخ على متن طائرات القصر، فذلك بات تفصيلاً مألوفًا في ممارسة حكمٍ يقوم منذ سنوات على الغياب أكثر مما يقوم على الحضور. الخبر الحقيقي، والمقلق، هو أن هذا الغياب لم يعد ظرفيًا أو صحيًا أو شخصيًا، بل تحوّل إلى نمط دائم في تدبير شؤون دولة تعيش أزمات متراكمة، فيما يُدار الحكم من وراء الستار دون مساءلة وبلا وضوح.

ما يجري اليوم في المغرب ليس مجرد “عطلة ملكية”، بل لحظة سياسية حساسة تكشف ضعف النموذج المخزني القائم، فحين يغيب رأس الدولة في لحظة احتقان اجتماعي، وغلاء معيشة، وتآكل ثقة، فإن السؤال لا يكون أخلاقيًا فقط، بل دستوريًا وسياسيًا: من يقرر؟ من يحاسب؟ ومن يتحمل المسؤولية؟

الأخطر من الغياب ذاته، هو ما يتسرب من حديث عن تسليم غير معلن للحكم إلى ولي العهد، خارج أي إطار دستوري واضح، وداخل “ترتيبات مخزنية” مغلقة، نحن هنا أمام ممارسة سلطوية تلتف على منطق الدولة والمؤسسات، وتعيد إنتاج الحكم الوراثي كأمر واقع، لا كاختيار دستوري خاضع للنقاش والشفافية. انتقال السلطة، إن صحّ، لا يتم عبر المؤسسات، بل عبر غرف مظلمة، فيما الشعب آخر من يعلم.

هذا الوضع يضع المغرب أمام مفارقة خطيرة: بلد يُسوَّق خارجيًا كنموذج “استقرار”، بينما يُدار داخليًا بمنطق الغموض والوصاية، فكيف يمكن الحديث عن إصلاحات، أو عن “نموذج تنموي جديد”، في ظل غياب الملك، وصمت الدولة، وانسحاب السياسة لصالح التدبير الأمني والولاءات؟

إن تسليم الحكم لولي العهد، إن كان يجري فعلاً، لا يُناقش بوصفه إشكالاً شخصيًا، بل بوصفه مسألة سيادية. ولي العهد ليس منتخبًا، ولم يُفوض شعبيًا، وأي ممارسة للسلطة باسمه خارج النص الدستوري تُعد سابقة خطيرة، وتكريسًا لفكرة أن المغرب لا تحكمه القوانين، بل التوازنات داخل المخزن.

الأدهى أن هذا الغموض يتزامن مع واقع اجتماعي متفجر: احتجاجات، بطالة، فوارق صارخة، وفقدان متزايد للأمل، خاصة لدى الشباب. في مثل هذه اللحظات، تحتاج الدول إلى قيادة حاضرة، واضحة، تتحمل المسؤولية وتواجه شعبها بالحقيقة. أما أن يُترك البلد في حالة “تعليق سياسي”، بينما تُدار السلطة عن بُعد، فذلك ليس استقرارًا، بل قنبلة مؤجلة.

المغاربة لا يطالبون بالمستحيل، ولا بتدخل الملك في تفاصيل اليومية، لكنهم يطالبون بالحد الأدنى من الوضوح: من يحكم؟ وفق أي شرعية؟ وإلى أين يتجه البلد؟ فالدول لا تُدار بالإشاعات، ولا يُطمأن عليها بالصور البروتوكولية، ولا تُبنى بالغموض.

إن استمرار هذا الوضع ينذر بمستقبل أكثر التباسًا، حيث تتسع الفجوة بين الحكم والمجتمع، ويصبح الغياب قاعدة، والمحاسبة استثناء، والسلطة إرثًا مغلقًا لا شأن للشعب به. وفي لحظة كهذه، لا يكون السؤال: أين الملك؟ بل السؤال الأخطر: هل لا يزال للمغاربة حق في معرفة كيف يُحكم بلدهم؟

رابط دائم : https://dzair.cc/vft4 نسخ

اقرأ أيضًا