19 أكتوبر، 2025
ANEP الأحد 19 أكتوبر 2025

خطة محمد السادس في تجاهل الشباب تفشل.. جيل غاضب يقرع أبواب القصر والمغرب يغلي من تحت!

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
خطة محمد السادس في تجاهل الشباب تفشل.. جيل غاضب يقرع أبواب القصر والمغرب يغلي من تحت!

في المغرب اليوم، لم يعد الغضب همساً في المقاهي ولا سطوراً في تغريدات مجهولة، بل أصبح هديراً في الشوارع، وصدى يعلو فوق صمت القصور. في الوقت الذي يواصل فيه الملك محمد السادس تجاهل نداءات جيل الشباب، تتكشف أمام الرأي العام حقائق تهزّ صورة “المملكة المستقرة” التي طالما روّج لها المخزن في الخارج. فالتسريبات، والاحتجاجات، والفضائح التي تتلاحق واحدة تلو الأخرى، تكشف أن المغرب يعيش واحدة من أكثر لحظاته السياسية هشاشة منذ عقود.

صمت القصر… وضجيج الشارع

بينما تعالت هتافات جيل زد في الرباط والدار البيضاء وأكادير مطالبةً بـ “التعليم، الصحة، والكرامة”، اكتفى القصر بخطاب باهت لم يأتِ على ذكر هؤلاء الشباب بكلمة واحدة. صمتٌ ثقيل فُسّر في الشارع المغربي كاستعلاء، بل كإهانة. كيف لا، والملك الذي يحرص على الظهور في المحافل الرياضية والاستثمارية الكبرى، يتجاهل ملايين العاطلين عن العمل وملايين آخرين يقفون يومياً في طوابير المستشفيات المتهالكة؟

صحيفة ال إنديبندينتي الإسبانية وصفت الوضع بوضوح: “مراكش تغلي، والرباط ترتجف، والقصور صامتة”. فالقصر الملكي اليوم يبدو محاصراً من كل اتجاه: شباب غاضب في الشارع، مجموعة هاكرز “جبروت” تفضح أسرار البلاط، وملفات فساد تتسرب تباعاً لتكشف أن البذخ الملكي يتجاوز حدود المعقول.

الفاتورة الفلكية… وواقع البؤس

كشفت التسريبات الأخيرة أن ميزانية القصور الملكية تتجاوز 200 مليون يورو سنوياً. في المقابل، يعيش أكثر من 2.5 مليون مغربي تحت عتبة الفقر، 72% منهم في القرى النائية التي لم تصلها التنمية ولا العدالة. في بلدٍ تُصرف فيه المليارات على الملاعب استعداداً لكأس العالم 2030، يضطر المرضى إلى بيع أثاث بيوتهم من أجل العلاج، ويغادر الأساتذة قاعات الدرس للاحتجاج بدل التدريس.

جيل زد لم يخرج من فراغ. خرج من رحم الإحباط، ومن جرح العدالة الاجتماعية. جيل رأى وعود التنمية تتحول إلى واجهات دعائية تخفي وراءها اقتصاداً راكداً وفساداً مؤسسياً. رأى الدولة تستثمر في الصورة لا في الإنسان. ولعل أبرز شعارات الاحتجاج تلخّص المأساة كلها: “إذا كان هناك مال للملاعب، فليكن هناك مال للمستشفيات”.

“جبروت”… مرآة الرعب داخل المخزن

لكن ما يرعب المخزن فعلاً ليس الشارع، بل الفضيحة الرقمية. مجموعة “جبروت” التي تسرب وثائق من داخل البلاط، فجّرت ما يشبه الزلزال السياسي. فقد نشرت قائمة العاملين في القصور ورواتبهم الضخمة، وكشفت أسراراً مالية كانت حتى وقت قريب من “المحرمات السياسية”. فجأة، أصبح النظام العلوي عارياً أمام شعبه. وكل تسريب جديد يشعل غضباً أعمق، لأنّه يذكّر المغاربة بحجم الهوة بين من يملكون ومن لا يجدون ما يأكلون.

يخشى النظام من هذه التسريبات أكثر مما يخشى المظاهرات. فالقمع لا يقتل المعلومة، بل يجعلها تنتشر كالنار في الهشيم. والأخطر أن هذه المعلومات تأتي في زمن الوعي الرقمي، حيث لم تعد الرقابة قادرة على إسكات جيل يملك الإنترنت كمنبر حرّ لا تملك الدولة السيطرة عليه.

الملك بين وهم الإصلاح وحقيقة الانفصال

الملك محمد السادس حاول الظهور بمظهر “الإصلاحي الهادئ”، لكن الواقع تجاوز هذا القناع الزائف. منذ سنوات، تُطرح مبادرات ومشاريع تحت شعارات “النموذج التنموي الجديد” و“المغرب القوي العادل”، لكنها بقيت حبراً على ورق. لم تُصلح التعليم، ولم ترفع مستوى الصحة، ولم تُنقذ الشباب من البطالة واليأس. بل إنّ النظام اتجه نحو مزيد من المركزية، ومزيد من تغوّل الأجهزة الأمنية، ومزيد من تكميم الأفواه.

التقرير الصحفي الإسباني وصف المغرب بأنه “قدر ضغط يغلي وقد ينفجر في أي لحظة”. وهذه العبارة تختصر تماماً المشهد السياسي الراهن: سلطة تخاف من الحقيقة، وشعب يختنق بالصبر. إنّ المغرب اليوم يعيش مفارقة فاضحة: مملكة تتهيأ لاستضافة كأس العالم 2030 بينما تخسر معركتها مع الفقر والبطالة والكرامة.

جيل لا يخاف

جيل زد ليس حزباً ولا تنظيماً، بل روح جديدة. هو جيل تربّى على الإنترنت، لا على الخوف. لا يُجمع على إسقاط النظام بقدر المطالبة بإصلاحه، غير أن تجاهله قد يدفعه إلى أكثر من ذلك. فحين يسدّ المخزن كل منافذ التعبير السلمي، يفتح الباب لانفجارات لا أحد يعرف مداها.

اليوم، من حق هذا الجيل أن يسأل: لماذا يُحاكم من يطالب بالعدالة الاجتماعية وكأنّه مجرم؟ لماذا يُصرف على الملاعب أكثر مما يُصرف على المستشفيات والمدارس؟ ولماذا يختبئ القصر خلف صمتٍ بارد بينما البلاد على وشك الانفجار؟

الشرعية لا تُشترى بالولاءات

يبدو أن المخزن يعيش في زمنٍ آخر، زمنٍ يظن فيه أن الخوف كافٍ لإخماد الغضب. لكنه نسي أن جيل الإنترنت لا يُخيفه القمع، بل يُغذّيه. الشرعية اليوم لا تُشترى بالولاءات ولا تُفرض بالدعاية، بل تُبنى على الثقة، والعدالة، والكرامة.

صمت الملك أمام مطالب الشباب ليس مجرد موقف سياسي، بل خطأ استراتيجي فادح. فحين يصرّ القصر على تجاهل الشارع، يصبح الشارع هو من يكتب التاريخ.
والتاريخ — كما يعلم الجميع — لا يرحم من يتأخر عن لحظته.

رابط دائم : https://dzair.cc/dedd نسخ