6 سبتمبر، 2025
ANEP السبت 06 سبتمبر 2025

خيانات المخزن من الدار البيضاء إلى اتفاقات «أبراهام»: فضائح شبكة التواطؤ الاستخباراتي المغربي-الصهيوني

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
خيانات المخزن من الدار البيضاء إلى اتفاقات «أبراهام»: فضائح شبكة التواطؤ الاستخباراتي المغربي-الصهيوني

لم يكن تطبيع عام 2020 بين الرباط وتل أبيب حدثاً منفصلاً عن تاريخ علاقات سرّية وطويلة امتدت لعشرات السنين؛ بل هو تتويج لمسار استخباراتي-أمني عرف تقاطعات متكررة بين أجهزة الحكم بالمغرب ومؤسسات الأمن الصهيونية. قراءة دقيقة للتاريخ تكشف سلسلة من محطات تدلّ —بأشكال متفاوتة من التأكيد والتحقيق والاستدلال— على وجود تعاون عميق اتسم أحيانًا بالعمليات المعلنة وأحيانًا بالخطوط الخلفية السرية.

هجرة اليهود المغربيين: «عملية ياخين» كنقطة انطلاق للعلاقة المشفّرة

واحدة من أوضح علامات التعاون سابقة للتطبيع الرسمي كانت «عملية ياخين» (1961–1964)، التي سهّلت انتقال عشرات الآلاف من اليهود المغاربة إلى إسرائيل بتنسيق استخباراتي ودبلوماسي بين جهات مغربية وإسرائيلية ومنظمات يهودية، مقابل ترتيبات مالية وتعويضية. العملية لم تكن مبادرة إنسانية بحتة، بل ترافقت مع اتصالات ومصالح استخباراتية على الجانبين.

تسجيلات قمة الدار البيضاء واختفاء بن بركة: أدلة على تعاون أمني مظلم

في 1965 باتت الدار البيضاء مسرحًا لوقائع أثارت أسئلة كبيرة: فقد سمح الملك الحسن الثاني بتسجيلات سرّية خلال قمة الجامعة العربية استُغلت استخباراتياً وأفادت تل أبيب في لحظة إقليمية حرجة، كما ارتبط اختفاء الزعيم اليساري المغربي المهدي بن بركة في باريس في نفس العام بشبكات مراقبة وتصفية يقال إن فيها تقاطعات بين أجهزة استخبارات مغربية وصهيونية. ورغم الغموض الذي يحيط بالملف، فإن الظلال التي تلقيها هذه الحوادث تؤكد عمق التنسيق الأمني في تلك المرحلة.

ثمانينات جدار الرمال: خبرات عسكرية واستشارية صهيونية في خدمة مشروع “مغربية الصحراء” المزعوم

مع تصاعد النزاع في الصحراء الغربية، لجأ المغرب إلى بناء «سور الرمال» في ثمانينيات القرن الماضي، وهو جدار عسكري ضخم صُمم ليعزل جبهة البوليساريو. تقارير عديدة أشارت إلى أن خبراء عسكريين أجانب، بينهم صهاينة، ساعدوا في تخطيط هذا الجدار وتزويده بتقنيات المراقبة والرصد، ما يعكس امتداد الشراكة العسكرية السرية إلى مسار النزاع الإقليمي.

من التسريبات إلى المذكرات العلنية: توقيع مذكرات دفاعية وعمق التعاون بعد 2020

الانفضاح العلني في 2020 عبر اتفاقات «أبراهام» لم يأتِ من فراغ: ففي 2021 تم توقيع أول مذكرة دفاعية رسمية بين المغرب والكيان الصهيوني، مع تبادل زيارات لمسؤولين عسكريين رفيعي المستوى، لتتحول العلاقات من مستوى سري إلى تعاون علني يشمل التدريبات المشتركة وتبادل المعلومات العسكرية.

صناعات متقاربة: طائرات مسيّرة وأقمار تجسس وصفقات استراتيجية

في السنوات الأخيرة، توسّعت الشراكة إلى المجال الصناعي العسكري. تم الإعلان عن مشاريع لإنتاج طائرات مسيّرة داخل المغرب بشراكة إسرائيلية، وصفقات لاقتناء أقمار تجسس ومنظومات رصد متطورة. هذه المشاريع حولت العلاقة إلى تعاون استراتيجي ملموس يتجاوز الاستخبارات إلى الصناعة الحربية المتقدمة.

من التطبيع إلى التورط: المغرب بين أوهام “التفوق العسكري” وتبعات التحالف مع الكيان

منذ اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة في السابع من أكتوبر 2023، لم يخف المغرب موقعه داخل منظومة التطبيع، حيث أشارت تقارير متعددة إلى أشكال تعاون أمني ولوجستي مع تل أبيب، بدءاً من تبادل المعلومات وصولاً إلى تسهيلات مرتبطة بحركة السلاح. وبرزت قضية ما سُمّي بـ”سفن الإبادة” التي رست في موانئ مغربية خلال الأشهر الأولى للحرب، محمّلة بمعدات عسكرية موجهة إلى جيش الاحتلال، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً حول تورط الرباط في دعم آلة القتل ضد الشعب الفلسطيني. كما تداولت أوساط إعلامية وحقوقية معطيات عن مشاركة جنود مغاربة ضمن الوحدات القتالية في غزة، في مؤشر على أن العلاقة بين المخزن والكيان تجاوزت حدود التعاون الاستخباراتي إلى انخراط عملي في واحدة من أبشع الحروب على المدنيين في العصر الحديث.

هذه المعطيات تكشف أن التطبيع المغربي لم يكن مجرد خيار دبلوماسي، بل رهانا استراتيجيا محكوما بجملة من الدوافع الأمنية والسياسية والاقتصادية. فالرباط ترى في الشراكة مع الكيان الصهيوني وسيلة لتحقيق تفوق عسكري وتقني في نزاع الصحراء الغربية، من خلال الحصول على تكنولوجيا متطورة تعزز قدراتها الأمنية والاستخباراتية وتكرّس أوراق ضغط جديدة في الحسابات الإقليمية والدولية. غير أن لهذه العلاقة وجهاً آخر بالغ الخطورة، إذ تؤدي إلى إضعاف الموقف العربي الموحد تجاه القضية الفلسطينية، وتزيد حدة التوتر مع الجزائر والدول الرافضة للتطبيع، فضلاً عن أنها تعمّق عسكرة النزاع في الصحراء الغربية عبر تقنيات متطورة إسرائيلية على حساب الحلول السلمية. داخلياً، يغلب منطق التسلح وصفقات السلاح على أولويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ما يفاقم من هشاشة الأوضاع المعيشية للمغاربة ويجعل مستقبل الاستقرار في البلاد مرهوناً بحسابات ضيقة ومصالح آنية.

وفي العموم فإنّ التحالف المغربي-الصهيوني الذي أصبح علنياً ليس مجرد حادث دبلوماسي معزول، بل هو ثمرة خبيثة لامتداد تاريخي من العلاقات الاستخباراتية والعسكرية التي أسست لبنية تعاون عميق. هذا التاريخ المليء بالصفقات والتواطؤات يفسر كيف انتقلت العلاقة من السرية إلى العلن، ويطرح تساؤلات جدية حول الأولويات الداخلية والإقليمية للمغرب، وحول انعكاسات هذا التحالف على مستقبل القضية الفلسطينية والأمن في شمال إفريقيا.

رابط دائم : https://dzair.cc/yxrz نسخ