الاثنين 24 نوفمبر 2025

دشّن من قسنطينة عهد سيادة الاقتصاد الجزائري: كيف يحوّل الرئيس تبون ميراث الأزمة إلى مشروع نهضة وطنية حقيقية؟… بقلم: معمر قاني

نُشر في:
بقلم: معمر قاني
دشّن من قسنطينة عهد سيادة الاقتصاد الجزائري: كيف يحوّل الرئيس تبون ميراث الأزمة إلى مشروع نهضة وطنية حقيقية؟… بقلم: معمر قاني

تقف الجزائر اليوم، على أعتاب اقتصاد جديد ومختلف كليا عما كان معهودا في السابق، اقتصاد صناعة المعادن والتصنيع المحلي والتقنية، إنها رؤية جسدها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بجرأة خلال زيارته لولاية قسنطينة، عندما أعلن أن البلاد حقّقت “إنجازات كبرى في ظرف زمني وجيز” وأن مشاريع استراتيجية مثل منجم غارا جبيلات للحديد ومنجم بلاد الحدبة للفوسفات ستدخل حيز الإنتاج قريباً.

هذه التصريحات ليست مجرد وعود، بل تمثل قلب استراتيجية طموحة لتحويل ميراث الأزمة التي ورثها الرئيس تبون عام 2019 إلى قاطرة نهضة وطنية.

رئيس الجمهورية لم يُخفِ في لقائه مع فعاليات المجتمع المدني ما وصفه بـ”المعارك والإشاعات” التي واجهته في سنواته الأولى، لكنه أكد أن هذه المناورات لم تمنع الجزائر من المضي في مشروعها الجديد: مشاريع صناعية هيكلية ضخمة، ورؤية واضحة للتنمية، واستراتيجية طموحة لإعادة رسم الاقتصاد بعيدًا عن ريع المحروقات.

لقد أكّد أن مؤشرات الاقتصاد اليوم إيجابية، وأن الجزائر تسيطر على وضعها المالي، ولم تلجأ إلى مديونية خارجية رغم انخفاض أسعار النفط، إذ اتخذت الدولة احتياطات لتأمين مستقبلها الاقتصادي.

من بين أقوى ما أعلنه الرئيس تبون في قسنطينة أن البلاد ستشهد قريبًا “انطلاقة جديدة وحقيقية” تنقلها “إلى بر الأمان بصفة نهائية”، وأوضح أن الدولة ماضية في مشاريع من شأنها رفع إنتاج الفوسفات من 2.5 إلى 10.5 ملايين طن سنويًا، ما سيعزز قدراتها في مجال الأسمدة والمعادن، اللذين وصفهما بـ”السلاح الجديد” في الاقتصاد العالمي الحديث.

كما كشف الرئيس تبون أن خطّ السكك الحديدية المنجمي الذي يربط غارا جبيلات بمنطقة بشار عبر تندوف (خط جبيلات-بشار) لم ينجز في سنوات، بل في وقت قياسي (حوالي سنة ونصف)، وسيكون ناقلاً لهذا الإنتاج الصناعي إلى الموانئ والأسواق المحلية والعالمية، مع أول شحنة حديد أولى في طريقها إلى ميناء وهران عام 2026، هذه الاستراتيجية السككية ليست فقط بنية تحتية، بل تمهيد لتحويل الجزائر إلى عقدة لوجستية صناعياً بين الجنوب والغرب.

لكن رئيس الجمهورية لا يكتفي بالمعادن والمشاريع الاستخراجية- التصنيعية؛ فهو يرى أن مستقبل الاقتصاد يكمن أيضًا في التكنولوجيا والشباب، فقد جدّد التأكيد على أهمية إدماج الصناعة الميكانيكية محليًا، مع هدف طموح بإنتاج “سيارة جزائرية” تحتوي على 40٪ من المكونات محلية، كما قال إن هناك “أكثر من 17 ألف مشروع استثماري” مسجّل لدى وكالة ترقية الاستثمار، كلّها مشاريع تفتح الباب أمام الشباب والكفاءات، كما ركّز في كلمته، على أن الشباب هم الثروة الحقيقية للجزائر، ولذلك تم تيسير القوانين لتمكينهم من الدخول إلى عالم القرار وتجسيد أفكارهم.

ولم تغب الأبعاد الاجتماعية عن خطاب الرئيس تبون، إذ شدّد على أن الدولة لا تريد نموًا اقتصاديًا على حساب المواطن، بل تسعى إلى اقتصاد اجتماعي: الجزائر هي الدولة العربية والإفريقية الوحيدة التي تخصص “منحة للبطالة” للشباب العاطلين، وهذا ما يوضح أن الدولة لا تنتصر لاقتصاد السوق وحده، بل توازن بين النمو والعدالة الاجتماعية.

تصريحات الرئيس تبون في قسنطينة، إذاً، تشكل خطة سياسية واقتصادية متكاملة: هي رؤية لصناعة المستقبل، وهي وعد قاطع بسيادة اقتصادية حقيقية، لكنها أيضًا استشارة للشعب بأن الطريق نحو الجزائر الجديدة لن يكون سهلاً، وأنه يتطلب جهداً جماعياً، واستثمارًا مستمرًا، والثقة في قدرة الدولة على تحويل الموارد الطبيعية إلى قوة إقتصادية خالصة.

معركة الجزائر اليوم في عهد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ليست فقط مع الفقر أو البطالة، بل مع إرث اقتصادي بُني على اعتماد كلّي على المحروقات، أما الهدف الذي رسمه الرئيس فهو واضح: جزائر منتجة، ليست مجرد دولة مصدّرة للنفط، بل دولة تُصنّع المعادن وتحتضن العقول وتنافس على الساحة العالمية، هذا هو التحدي الذي طرحه للنظام البائد، وهو التحدي الذي يسعى لتجاوزه من قسنطينة، ومن هناك تبدأ الجزائر مرحلة جديدة.

رابط دائم : https://dzair.cc/5h9u نسخ

اقرأ أيضًا

×
Publicité ANEP
ANEP PN2500018