14 أكتوبر، 2025
ANEP الثلاثاء 14 أكتوبر 2025

دعت إلى مقاطعة مباريات أسود الأطلس.. “جيل زد” تحذّر الشعب المغربي من استغلال المخزن كرة القدم في إخفاء قبح ممارساته وبشاعة إخفاقاته

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
دعت إلى مقاطعة مباريات أسود الأطلس.. “جيل زد” تحذّر الشعب المغربي من استغلال المخزن كرة القدم في إخفاء قبح ممارساته وبشاعة إخفاقاته

دعت إلى مقاطعة مباريات أسود الأطلس.. “جيل زد” تحذّر الشعب المغربي من استغلال المخزن كرة القدم في إخفاء قبح ممارساته وبشاعة إخفاقاته
لم يعد الخوف عملة صالحة للتداول في شوارع المغرب. جيل جديد وُلد من رحم الإحباط، وتربّى في فضاء الإنترنت، قرّر أن يعلن تمرده على الصمت. إنهم “جيل زد 212″، شباب لا يعرفون الزعامات ولا الأيديولوجيات، بل يتحدثون بلغة واحدة هي الكرامة، ويرفعون مطلبًا واحدًا هو الحق في الحياة.

على مدى عقود، كان النظام المغربي يعتمد على ثلاثية السيطرة: الدين، والإعلام، وكرة القدم. واليوم، تنهار هذه الأعمدة أمام وعيٍ جديد تشكّل في رحم الأزمات. فقد دعا جيل زد إلى مقاطعة مباريات المنتخب الوطني، ليس كراهية في الرياضة أو في “أسود الأطلس”، بل رفضًا لسياسة التخدير الجماعي التي تحاول تحويل المستطيل الأخضر إلى مساحة هروبٍ من الواقع.
“نحب المنتخب، لكننا لا نريد أن يلهينا النصر الرياضي عن الهزيمة الاجتماعية” — بهذه العبارة اختصروا معركتهم: الوطن أولاً، والكرامة قبل التصفيق.

نهاية زمن الصمت

ما يميز هذا الحراك أنه لا يشبه أي حركة احتجاجية عرفها المغرب من قبل. فجيل زد لا ينتمي إلى أحزاب ولا إلى تنظيمات، بل إلى فكرة: أن المواطن يستحق حياة تليق بآدميته.
هذه الحركة، التي انطلقت من منصة “ديسكورد”، تحولت إلى ما يشبه برلمانًا رقميًا يناقش فيه آلاف الشباب مشاكل التعليم والصحة والبطالة. ومن رحم هذا النقاش وُلدت حركة احتجاجية سلمية واعية، لا تقودها شعارات ولا صور الزعماء، بل يقودها العقل الجمعي لجيلٍ يرفض أن يُستعمل حبّه للوطن كذريعةٍ لقمعه.

منذ وفاة ثماني نساء حوامل في مستشفى أغادير، لم يعد الغضب محليًا، بل وطنيًا. وبدل أن تُهدّئ حكومة محمد السادس الشارع، ردّت بالاعتقالات والصمت، مما زاد الفجوة بين الدولة وجيلها الجديد.
لقد اعتقد المخزن أن بإمكانه احتواء الغضب كما فعل في الماضي، لكنه يواجه اليوم خصمًا غير مرئي: جيلٌ لا يحتاج إلى شارعٍ ليتظاهر، بل إلى شبكةٍ ليُنظّم، ولا يخاف من الهراوة، بل من استمرار العبث.

دولة في مواجهة وعي

خطاب الملك الأخير، رغم لغته الهادئة، لم يُقنع الشارع. فالدعوة إلى “تسريع التنمية” و”تحسين التعليم والصحة” تتكرّر منذ سنوات دون أثرٍ ملموس. المدارس تزداد هشاشة، والمستشفيات تزداد عجزًا، والبطالة تتغوّل. أمام هذا الواقع، يبدو الخطاب الرسمي كما لو أنه صدى بعيد لزمنٍ لم يعد موجودًا.

لقد أدرك الشباب أن المشكلة ليست في البرامج بل في البنية، ليست في الوزراء بل في النموذج المخزني ذاته: نموذج يستثمر في المظاهر، في الملاعب الضخمة والمشاريع الكبرى، بينما ينهار الأساس الاجتماعي الذي تقوم عليه الدولة.
إنه صراع بين مغربين: مغربٍ يلمّع صورته أمام الخارج، ومغربٍ آخر يعيش على الهامش في الداخل.

ثورة بلا زعيم

من يراقب المشهد يلحظ أن جيل زد لا يبحث عن بطل يقوده، بل عن وعيٍ يقوده. وهذا أخطر ما يواجهه المخزن اليوم: ثورة بلا رأسٍ يمكن قطعُه، وبلا شعارٍ يمكن مصادرته.
إنها ثورة ثقافية قبل أن تكون سياسية، تمارس العصيان المدني من داخل المنصات الرقمية، وتعيد تعريف الوطنية من جديد: أن تحب وطنك يعني أن ترفض الظلم باسمه.

ومع ذلك، فإن ما يفعله الشباب ليس خروجًا على الدولة، بل نداءٌ لإنقاذها من نفسها. إنهم لا يطالبون بإسقاط النظام، بل بإحياء العدالة. لا يريدون الفوضى، بل الكرامة. يرفضون أن تبقى الدولة متصالحة مع الفساد، ومتخاصمة مع الحقيقة.

الوعي أخطر من الشارع

ما لم يدركه المخزن بعد، هو أن الوعي حين يولد لا يُقمع. يمكن إسكات المظاهرات، لكن لا يمكن اعتقال فكرة.
جيل زد لا يثور اليوم بالحجارة، بل بالكلمة، بالمقاطعة، بالانسحاب الواعي من لعبةٍ لم تعد مقنعة. وهذا وحده كافٍ ليقلب معادلات السلطة التي تعوّدت على إدارة الغضب لا على الإصغاء إليه.

اليوم، لم يعد السؤال: هل ينجح النظام في احتواء هذا الحراك؟ بل: هل يستطيع الاستمرار في إدارة بلدٍ تغيّر من داخله؟
الجواب واضح في الشوارع الصامتة والمدرجات الفارغة: المغرب يعيش مخاضًا جديدًا، وجيلًا جديدًا يكتب فصله الأول في تاريخ الوعي الوطني.

جيل زد لم يرفع السلاح، بل رفع الوعي، وهذا أخطر ما يمكن أن تواجهه أي سلطة. لأن الشعوب التي تفهم، لا تعود إلى الوراء.

رابط دائم : https://dzair.cc/khi6 نسخ