دهاليز التاريخ… ميلاد المسيح (ع) وعلمنة الكريسمس بقلم/عياشي سعيد

ميرا منصوري

أوروبا العلمانية التى تدعي فصل الدين عن الدولة وأن الدين مسألة شخصية تحتفل وكل العالم المسيحي هذه الأيام بعيد مولد المسيح عليه السلام هذا الإحتفال الذي انتقل من الكنائس الى الفضاءات العامة والساحات والمتاجر وكبرى المولات ومراكز التسوق والأسواق التى تظهر في هذه الفترة خصيصا لهذه المناسبة ( أسواق الميلاد)وتتزين شوارع المدن والقرى احتفاءًا بمولد المسيح عليه السلام وتكثر الإعلانات التجارية والتخفيضات والتحفيزات ويغيب في هذه الزحمة ذكر المسيح وتعاليم المسيح في دلالةواضحةعلى تحوّل المناسبة الى حدث مقدّس لجني الأرباح وموسم حصاد لكبريات الشركات حيث تشير الأرقام أن الإنفاق في الولايات المتحدةالأمريكية يعادل ترليون دولار في فترة الإحتفالات هذه ويزيد انفاق البيت الأمريكي الواحد على 1500دولار وأن 40%من الأوربيين يرون أنهم مجبرون على الشراء أيام الكريسمس ( ميلاد المسيح) حتى وإن كانوا لا يرغبون في ذلك .

كريستوفر ديكاي الأستاذ بجامعة كينت الأمريكية يقول أنه تحول من عيد ديني يُحتفل فيه بقيم ثقافية خاصة الى عيد للإستهلاك يحتفل فيه المستهلكون بالشراء والشراء فقط وتُظهره القنوات والإعلام ووسائل الدعاية كموسم للشراء من خلال التخفيضات والخصومات الجبّارة التى تعرضها المتاجر وهذا ما يعد أفولاً للحس الديني المباشر للعيد …

إنه الإستهلاك الأدلة الأولى الضاربة للعولمة تحويل مناسبة كانت في الأصل مقدسة الى سلعة تباع وتشترى وصولاً الى نزعة تقديس الشراء في الكريسمس وتحويله من عيد للمسيح الى عيد للشراء حسب ما ذهبت اليه الباحثة بجامعة بوسطن جين بارتونيك ليصبح في النهاية خادما لرأس المال ومناسبة لتحفيز ثقافة الإستهلاك وصولاً الى الإغراق الثقافي لدفع المجتمعات الأخرى الغير مسيحية للإحتفال والإستهلاك رغم أنفها وأنف خصوصياتها الثقافية والدينية ..
بالعودة الى جذور هذا الإحتفال ( كريسمس) الذي يعني ميلاد المسيح (ع) يذهب الأستاذ بجامعة ديوك ( كارولينا الشمالية) هانز هيللر براند الى انه في القرن الأول والثاني لم يكن هناك احتفال بعيد ميلاد المسيح زيادة على الإختلاف في يوم ميلاده ، وهناك طوائف مسيحية لا تحتفل بعيد الميلاد الى اليوم على غرار شهود يهوه وهي طائفة مسيحية نشأت في سبعينيات القرن التاسع عشر وطائفة الصاحبيون ( كويكرز)وهي طائفة نشأت في القرن السابع عشر اضافة الى طائفة كنيسة المسيح المُشكلة من أربع طوائف .

في القرون المسيحية الأولى كان الوثنيون في شمال أوروبا يحتفلون في 25من ديسمبر بعيد الشمس وفلاحو الجنوب يحتفلون في نفس اليوم بعيد زحل إله الزراعة حسب معتقدهم ولم يُعرف احتفال رسمي بعيد ميلاد المسيح إلا في القرن الرابع ميلادي على يد الأمبرطور البيزنطي قسطنطين بعد اعتناق الأمبراطورية للمسيحيةوأُعتبر يوم الإحتفال الوثني نفسه يوم الإحتفال بعيد ميلاد المسيح عليه السلام ، وظهرت الإحتفالات بطقوسها التى نراها اليوم ( شجرة الميلاد والشموع….)في بداية القرن السابع عشر في هولندا ومن هناك انتشرت في باقي العالم المسيحي ورغم أن ظهور تبادل الهدايا كان بداية القرن الخامس عشر غير أنها لم تصبح تقليداً واجبا إلا في نهاية القرن الثامن عشر وكانت الإحتفالات الى غاية هذا التاريخ تحت رعاية الكنيسة قبل ان يصبح بالشكل الذي نراه اليوم البعيد عن المضمون الديني حيث ظهر القديس سانتا كلوز ( بابا نوال) الذي هو في حقيقة الأمر نسخة عن القديس نيكولاس ( القرن الرابع ميلادي) ليس بوصفه قديسا ولكن بصفة بائع الهدايا والسلع والمستوحى شكله من قصيدة للشاعر الأمريكي كليمنت كلارك مور ( 1823م) ولون لباسه الأحمر الذي يرتديه كان صدفة قد تكون مقصودة حيث أن شركة كوكا كولا رسمته في احدى إعلاناتها الإشهارية سنة ( 1920م)بزي أحمر الذي هو لون كوكاكولا ومنذ (1930م)اصبح لون الزي الرسمي لسانتا كلوز ( بابا نوال )….

الأستاذ عبد عيسى لحيلح أشار إشارة لطيفة قرأتها له منذ مدة وأعاد نشرها مؤخراً طرح طرحاً وتساؤلاً وحيها بخصوص ولادة المسيح عليه السلام مستدلاً بالآية الكريمة ( وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) ومن المعروف ان التمر لا يصير رُطبا إلا أواخر شهر أوت وبداية سبتمبر مضيفا قرينة أخرى من إنجيل لوقا الذي يذكر انه في تلك المنطقة كان رعاة يبيتون في العراء يتناوبون حراسة قطيعهم في الليل وهو ما لا يكون إلا صيفاً ، حتى وإن قال قائل أن الرطب من المعجزات التى خصّ الله بها مريم عليها السلام وأن زكرياء كان يحد عندها فاكهة في غير موسمها قبل ذلك قد يكون هذا الدفع صحيحا ً لكن المؤكد أن 25من ديسمبر هو يوم احتفال وثني احتفلت فيه شعوب أوروبا بالشمس والإله زحل إله الزراعة والأمبراطور البيزنطي قسطنطين هو مر أمر بالإحتفال بميلاد المسيح في هذا اليوم في تقاطع واضح مع الوثنية وقطع كل صلة بالمسيح عليه السلام بالمشرق واستبدال النخلة بالشجرة التى تعرفون ..

شارك المقال على :