الثلاثاء 03 جوان 2025

دويلة الإمارات تتحالف مع اليمين المتطرف في أوروبا ضد الجاليات المسلمة

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
دويلة الإمارات تتحالف مع اليمين المتطرف في أوروبا ضد الجاليات المسلمة

في مشهد دولي يتسم بتصاعد الخطاب الشعبوي والعنصري، تبرز الإمارات كلاعب نشط في دعم وتمويل وتقوية أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، في إطار استراتيجية أوسع تهدف إلى محاصرة الجاليات المسلمة، وتهميش أي تمثيل سياسي أو اجتماعي ذي طابع إسلامي داخل القارة.

ولم تعد أبوظبي تكتفي بمحاربة الإسلام السياسي في محيطها الإقليمي، بل وسّعت معركتها لتشمل المجال الأوروبي، متحالفةً مع أكثر التيارات عداءً للمسلمين.

بهذا الصدد كشف موقع ميديا بارت الفرنسي عن استعداد جوردان بارديلا، رئيس حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، للقيام بزيارة رسمية إلى أبوظبي خلال أيام.

وذكر الموقع أن الزيارة، التي يجري الترتيب لها من قبل النائب الأوروبي عن الحزب تييري مارياني، تمثل تتويجًا لمسار ممتد من العلاقات بين الحزب والإمارات يعود إلى أكثر من عقد.

وتأتي هذه الزيارة في سياق سياسي واضح: تعزيز موقع اليمين المتطرف الفرنسي على الساحة الدولية، وتقديم أبوظبي كحليف غير تقليدي مستعد لدعم الخطاب القومي المعادي للإسلام والمهاجرين.

ووفقًا للتقارير، فإن الإمارات تُنظر إليها داخل أروقة “التجمع الوطني” كـ”شريك استراتيجي” لفرنسا في مواجهة ما يسمونه “التطرف الإسلامي”، وهي عبارة لطالما استُخدمت لتبرير سياسات تمييزية ضد المسلمين في أوروبا.

لقاءات سرية ودعم انتخابي

لم تكن العلاقة بين الطرفين وليدة اللحظة. ففي عام 2014، التقت مارين لوبان، زعيمة الحزب، في لقاء سري داخل منزلها بأحد كبار مسؤولي الأجهزة الأمنية الإماراتية.

وبحسب أحد مستشاريها السابقين، عرض الجانب الإماراتي دعمًا ماليًا مباشرًا للحزب في معاركه السياسية والانتخابية. وقد سعت الإمارات، عبر شبكات تمويل معقدة وشركات علاقات عامة، إلى تأمين تمويلات غير معلنة.

تطبيع متبادل قائم على المصالح

بالنسبة للإمارات، فإن دعم حزب متطرف مثل “التجمع الوطني” لا يمثل تناقضًا مع خطابها الرسمي حول التسامح، بل يُفهم ضمن سياقها الخاص لمحاربة ما تسميه “الإسلام السياسي”.

وهي بذلك تفرّق بين “الإسلام الثقافي” الذي تقبله كصورة دينية منزوعة من مضمونها السياسي، وبين “الإسلام المجتمعي” الذي يمثل مصدر قلقها الأكبر في أوروبا.

لذلك، تجد أبوظبي في اليمين المتطرف حليفًا طبيعيًا لتقويض أي حراك مسلم منظم في فرنسا أو غيرها من الدول الأوروبية.

من جهته، لا يخفي بارديلا إعجابه بالإمارات، وقد وصفها مؤخرًا بأنها “شريك لا غنى عنه”، مشددًا على أن التعاون مع دول مثل السعودية والإمارات يجب ألا يُقيَّد بمسائل حقوق الإنسان.

ويبدو أن الحزب اليميني يجد في أبوظبي نموذجًا لدولة سلطوية تحكم بقبضة أمنية وتتبنى خطابًا معاديًا للإسلام السياسي، وهي رؤية يتقاطع فيها الطرفان بوضوح.

استخدام الجاليات كأوراق ضغط

التحالف بين أبوظبي وحزب لوبان لا يستهدف فقط تشكيل محور سياسي جديد، بل يسعى إلى إعادة تشكيل النظرة إلى الجاليات المسلمة في أوروبا، باعتبارها “طابورًا خامسًا” أو تهديدًا ثقافيًا.

فالإمارات التي تخشى من تأثير الحركات الإسلامية في الداخل، ترى في الجاليات المسلمة في باريس أو بروكسل امتدادًا لتلك الحركات، وتسعى إلى تقويض أي تأثير محتمل لها عبر دعم الأحزاب التي تطالب بحظرها أو تقييدها قانونيًا.

وفي فرنسا، لا يخفى أن خطاب لوبان وبارديلا يركز بشكل متكرر على “حظر جماعة الإخوان المسلمين”، وهو مطلب يتناغم تمامًا مع التوجه الإماراتي الرسمي، وقد بات يتكرس كسياسة مشتركة تخدم أجندات الطرفين: سيطرة أبوظبي على الخطاب الإسلامي من جهة، وتعزيز الخطاب القومي المتطرف في فرنسا من جهة أخرى.

نفوذ في أفريقيا.. بتمويل إماراتي

التحركات الخارجية لحزب التجمع الوطني، مثل زيارات لوبان إلى السنغال وتشاد، أو سعي بارديلا لزيارة الكونغو الديمقراطية، تُدار بتنسيق مع شبكات دولية بعضها مرتبط مباشرة بالإمارات.

والهدف من ذلك ليس فقط توسيع حضور الحزب دوليًا، بل كسب شرعية كـ”قوة سياسية عابرة للحدود”، بدعم من أنظمة استبدادية تملك المال وتحتاج الغطاء السياسي.

وفي هذا السياق، يصبح التحالف مع الإمارات جزءًا من إستراتيجية أكبر لليمين الفرنسي لاقتحام الساحة الدولية، وتمويل حملاته من خارج الدوائر البنكية الغربية التي كثيرًا ما ترفض التعامل مع أحزاب متطرفة.

إزالة الشيطنة.. برعاية إماراتية

يسعى حزب “التجمع الوطني” منذ سنوات إلى “إزالة الشيطنة” التي طالته بسبب تاريخه العنصري والنازي. ولتحقيق ذلك، كثّف بارديلا مشاركاته في مؤتمرات دولية، منها مؤتمر ضد معاداة السامية في الكيان الصهيوني، وزيارات للولايات المتحدة، واستقبال مسؤولين أجانب.

والدعم الإماراتي في هذا المسار لا يقتصر على التمويل، بل يمتد إلى الترويج الإعلامي وفتح قنوات علاقات عامة في الشرق الأوسط وأوروبا، لإعادة تقديم الحزب كتيار وطني محافظ قابل للتحالف.

وإن التحالف الإماراتي مع حزب مثل “التجمع الوطني” في فرنسا لا يمكن فهمه إلا في سياق معاداة الطرفين للمسلمين ككتلة سياسية واجتماعية. فبينما ترى أبوظبي في الإسلام السياسي خطرًا على شرعيتها ونموذجها السلطوي، يسعى حزب لوبان إلى كسب الشارع الفرنسي بتصوير المسلمين كتهديد للهوية الفرنسية.

هذا التحالف لا يهدد فقط الجاليات المسلمة، بل يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون بين الأنظمة السلطوية في الشرق الأوسط والتيارات الفاشية في الغرب. إنه تقاطع مصالح قد يُنتج سياسات أشد عدائية ضد الحريات، ويقوض أسس الديمقراطية في أوروبا نفسها.

رابط دائم : https://dzair.cc/663x نسخ