الخميس 06 نوفمبر 2025

دي ميستورا يُجهض أوهام المخزن ويؤكّد: حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير يظلّ مطروحًا ضمن عملية تفاوضية متعددة الخيارات

نُشر في:
دي ميستورا يُجهض أوهام المخزن ويؤكّد: حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير يظلّ مطروحًا ضمن عملية تفاوضية متعددة الخيارات

في أول تعليق رسمي له بعد اعتماد مجلس الأمن للقرار رقم 2797 حول الصحراء الغربية، بدا المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، أكثر وضوحا من أي وقت مضى في رسم حدود الحياد ومفهوم الحل السياسي العادل.
فمن بروكسل، وفي إحاطة إعلامية مقتضبة، أكد الرجل الأممي أنّ أي تسوية للنزاع المستمر منذ أكثر من خمسين عاما “يجب أن تستند إلى حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره”، وهي عبارة أعادت التذكير بجوهر الموقف الأممي الذي حاولت بعض الأطراف طمسه خلف تعابير فضفاضة كـ”الحكم الذاتي” و”الواقعية السياسية”.

من “الحياد اللغوي” إلى وضوح المقاصد

دي ميستورا لم يكتفِ بالترحيب بـ”تجدد الزخم الدولي”، بل حرص على توضيح أن القرار 2797 “لا يفرض نتيجة محددة سلفا”، وأن “المشاركة في المفاوضات لا تعني القبول المسبق بنتائجها”. هذا التصريح ينسف عملياً القراءة التي روّجت لها الدبلوماسية المغربية، التي حاولت تقديم القرار على أنه تكريس لأطروحتها حول الحكم الذاتي كحلّ وحيد ونهائي.
لقد جاء المبعوث الأممي ليفنّد ذلك التأويل بشكل مباشر، موضحاً أن الأمم المتحدة “أخذت علماً” بمقترحات المغرب وجبهة البوليساريو على السواء، وأنها تشجّع الطرفين على “اتخاذ مبادرات جديدة” في أفق التوصل إلى حل متفاوض عليه ومقبول من الطرفين.

العودة إلى منطق الشرعية الدولية

بحديثه عن تقرير المصير، وضع دي ميستورا النقاش في مكانه الصحيح: في إطار القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة السابقة التي تعتبر الصحراء الغربية إقليماً غير متمتع بالحكم الذاتي، ينتظر استكمال مسار تصفية الاستعمار.
فلا وجود في أدبيات الأمم المتحدة لأي حل يُفرض من طرف واحد أو يُعتبر مسبقاً “الوحيد الممكن”، لأن جوهر العملية الأممية يقوم على منح الشعب الصحراوي حقه في الاختيار الحرّ بين بدائل متعددة، من ضمنها الحكم الذاتي أو الاستقلال.
ولعلّ استخدامه المتكرر لعبارة “حل سياسي عادل ومقبول من الطرفين” لم يكن صدفة لغوية، بل تأكيداً على مبدأ التوازن بين طرفين متنازعين، وليس بين دولة وسكان تابعين لها كما تحاول الرباط الإيحاء بذلك في خطابها الرسمي.

قراءة في الموقف الجديد

من الواضح أن دي ميستورا، بخلفيته الدبلوماسية وتجربته في ملفات النزاعات المعقدة، اختار أن يُعيد لغة الأمم المتحدة إلى روحها الأصلية. فبعد سنوات من الغموض والتأويلات المتناقضة، أعاد التأكيد على أن “العمل الحقيقي يبدأ الآن”، أي العودة إلى مفاوضات جدية تشمل كل الأطراف، دون شروط مسبقة، وفي إطار المرجعيات الأممية الصريحة.
كما أن ترحيبه بتمديد ولاية بعثة المينورسو إلى أكتوبر 2026، لم يكن إجراءً إدارياً فحسب، بل رسالة بأن الأمم المتحدة تعتزم الإبقاء على الرقابة الدولية الميدانية، ضماناً لاستقرار الوضع وتحضيراً لمرحلة تفاوضية جديدة.

الجزائر والرؤية الإقليمية

من زاوية أخرى، فإن لهجة دي ميستورا جاءت منسجمة مع الموقف الجزائري الثابت، القائم على دعم حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره عبر مفاوضات مباشرة بين الطرفين الرئيسيين: المغرب وجبهة البوليساريو.
وقد رأت الجزائر، في مضامين القرار كما في إحاطة المبعوث الأممي، تأكيداً على أن الأمم المتحدة ما زالت تعتبر الملف مسألة تصفية استعمار، لا نزاعاً حدودياً كما تسعى الرباط لتصويره.
فمن خلال إشارته إلى أن “الحل المستدام لا يمكن أن ينبع إلا من مفاوضات تتم بحسن نية”، أعاد دي ميستورا التذكير بأن حسن النية يعني أولاً الاعتراف بالآخر كشريك في الحل لا كطرف يجب استيعابه تحت سيادة مفترضة.

نحو مرحلة تفاوض جديدة

القرار 2797، في ضوء تصريحات المبعوث الأممي، لا يبدو تكريساً لمعادلة قديمة، بل بداية لتحول نوعي في مقاربة الأمم المتحدة للنزاع. فالتركيز على “الإطار” لا على “النتيجة” يعني أن الباب مفتوح أمام جميع الخيارات، بما في ذلك خيار الاستقلال الذي تراه جبهة البوليساريو تجسيداً وحيداً لتقرير المصير.
ومن شأن هذا الوضوح أن يضع كل طرف أمام مسؤولياته: المغرب أمام ضرورة التخلي عن سياسة فرض الأمر الواقع، وجبهة البوليساريو أمام واجب استثمار اللحظة الدبلوماسية لبناء رؤية تفاوضية عملية تحافظ على جوهر الحق المشروع.

تصريحات دي ميستورا لم تكن مجرد توضيحات تقنية لمضمون قرار أممي جديد؛ بل أعادت ضبط الاتجاه السياسي لعملية السلام برمتها. فالمبعوث الأممي لم يتبنّ رواية أي طرف، لكنه ذكّر الجميع بأن لا حل دائماً ولا عادلاً ولا مقبولاً إلا إذا انطلق من حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
وبذلك، يكون دي ميستورا قد أخرج الملف من دائرة الغموض التي خدمَت لسنوات روايات أحادية، وأعاده إلى المرجعية الأممية الصافية التي لا تُساوم على مبدأ تقرير المصير، مهما طال النزاع أو تغيّرت الظروف.

رابط دائم : https://dzair.cc/vph1 نسخ

اقرأ أيضًا