27 أكتوبر، 2025
ANEP الاثنين 27 أكتوبر 2025

زلزال الحوز مجددًا: مأساة إنسانية تتحول إلى فضيحة سياسية لنظام المخزن بعد مرور أكثر من عامين على الكارثة

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
زلزال الحوز مجددًا: مأساة إنسانية تتحول إلى فضيحة سياسية لنظام المخزن بعد مرور أكثر من عامين على الكارثة

لم تمر سنتان على زلزال الحوز حتى عاد الضحايا إلى نقطة البداية، يحملون معاناتهم من جديد إلى العاصمة الرباط، في مشهد يلخص المأساة التي يعيشها آلاف المواطنين المنسيين في أعالي الجبال. خرجوا إلى الشوارع أمام البرلمان، لا طلبًا للشفقة، بل للمطالبة بحقّهم البسيط في العيش الكريم، بعد أن تحوّل الوعد الرسمي إلى انتظارٍ طويل لا ينتهي.

في دولةٍ تتفاخر بالمشاريع العملاقة وبـ”النموذج التنموي الجديد”، يعيش مئات من أبناء الحوز في خيامٍ بلاستيكية مهترئة، لا تقي برد الشتاء ولا حرّ الصيف. هؤلاء الذين فقدوا بيوتهم وأمنهم وأحلامهم، لم يجدوا بعد طريق العودة إلى منازلهم، لأن إدارة المخزن جعلت من ملف الإعمار لعبة أرقامٍ ومعادلات سياسية أكثر منها قضية إنسانية.

التنسيقية الوطنية لضحايا الزلزال أعلنت صراحة أنّ ما يجري هو تملّص من التزامات الدولة وتناقض مع البلاغ الملكي الصادر في 14 شتنبر 2023، الذي وعد بإعادة الإعمار العاجل وتمكين المتضررين من الدعم الكامل. لكن ما حدث لاحقًا لم يكن سوى بيروقراطية متحجرة تُعيد إنتاج المأساة بدل حلّها. فالأرقام الرسمية نفسها تكشف عن خللٍ فاضح: من أصل ستين ألف منزل متضرر، لم يحصل سوى 57 ألف مستفيد على الدعم، فيما تمّ تقليص المساعدات المخصصة للانهيار الكلي إلى مبالغ زهيدة لا تكفي حتى لبناء جدارٍ واحد.

إنّ سياسة توزيع الفتات على المنكوبين لا يمكن أن تُسمّى تضامنًا، بل إهانةً مضاعفة لكرامة الناس الذين فقدوا كل شيء. فالضحايا اليوم لا يطالبون بامتيازات، بل بحقّهم في العدالة والمواطنة المتساوية. والوقفة المرتقبة في الثالث من نوفمبر ليست سوى صرخة احتجاج ضدّ الصمت الممنهج الذي تمارسه الدولة وأذرعها الإدارية.

منذ الزلزال، تحولت القرى المنكوبة إلى رموزٍ للخذلان، فيما يواصل الإعلام الرسمي رسم صورة وردية عن “نجاح” برامج الإعمار. غير أن الواقع على الأرض أكثر قسوة من كل الدعاية الرسمية، إذ لا يزال الآلاف دون مأوى، بلا كهرباء ولا ماء، يواجهون البرد والمرض، وسط تجاهلٍ رسميٍّ يقترب من الإهمال المتعمّد.

إنّ ما يجري اليوم في الحوز ليس مجرد تقصيرٍ إداري، بل فشلٌ أخلاقي لنظامٍ يقدّم الوعود أكثر مما يقدّم الحلول. فالمخزن الذي يصوّر نفسه حامي الاستقرار، أثبت مرة أخرى أنه عاجز عن حماية مواطنيه حين يكونون خارج دائرة الضوء والمصالح. والذين خرجوا اليوم إلى الرباط لا يواجهون الطبيعة هذه المرة، بل سلطةٍ اختارت أن تنسى أبناءها عند أول اختبارٍ حقيقي للعدالة الاجتماعية.

لقد آن الأوان لأن يُحاسَب من تلاعب بمصير الأسر المنكوبة، وأن تتحوّل الوعود إلى أفعالٍ تليق بكرامة الإنسان. فالإعمار لا يبدأ بالإعلانات الرسمية، بل بإرادةٍ سياسية صادقة تُنصف المنكوبين لا أن تتركهم أسرى خيامٍ مهترئة في وطنٍ غنيٍّ بالموارد وفقيرٍ بالضمير.

رابط دائم : https://dzair.cc/md6p نسخ