15 أكتوبر، 2025
ANEP الأربعاء 15 أكتوبر 2025

زلزال الحوز.. من كارثة طبيعية إلى زلزال سياسي لا يزال يهزّ أركان المخزن منذ أكثر من عامين

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
زلزال الحوز.. من كارثة طبيعية إلى زلزال سياسي لا يزال يهزّ أركان المخزن منذ أكثر من عامين

لم يكن زلزال الحوز في المغرب مجرد كارثة طبيعية هزّت الأرض، بل أصبح، بعد مرور أكثر من عامين، زلزالاً سياسياً يهزّ الثقة في الدولة المغربية ومؤسساتها. فبين الخطابات الرسمية التي تتحدث عن “تقدم الأشغال” و“شفافية التعويضات”، وبين شهادات الضحايا الذين ما زالوا يعيشون في الخيام، تتسع الفجوة بين واقع الميدان وصورة المخزن.

ضحايا مرتين: من الزلزال إلى الإقصاء

تؤكد التنسيقية الوطنية لضحايا زلزال الحوز أن مئات الأسر حُرمت من الدعم والتعويض رغم فقدان منازلها بالكامل. الأسباب الرسمية “إدارية”: بطاقات تعريف في مدن أخرى، ملفات لم تُحدَّث، أو تصنيفات غامضة للهدم “الجزئي” و“الكامل”. لكن الحقيقة أعمق من ذلك. ما حدث ليس مجرد خلل إداري، بل هو وجه آخر للبيروقراطية المخزنية التي تُحوّل المعاناة الإنسانية إلى متاهة من الأوراق والتبريرات.

كيف يمكن لدولةٍ أن تدّعي العدالة الاجتماعية، بينما تُقصي المتضررين لأنهم يعملون في مدن أخرى؟ كيف يمكن لحكومة أن تتحدث عن “النموذج التنموي الجديد”، بينما آلاف الأسر المنكوبة تعيش في البرد تحت الخيام دون ماء أو كهرباء؟

زلزال يكشف زيف التنمية

ما كشفه الزلزال لا يقتصر على هشاشة البنى التحتية في القرى الجبلية، بل فضح هشاشة النظام نفسه في تدبير الكوارث. فبدل أن يكون الإعمار فرصة لإعادة بناء الثقة، أصبح ملف التعويضات مرآة تعكس الفساد، الزبونية، والمحسوبية. ومطالب الضحايا بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق ليست سوى محاولة لاستعادة ما تبقى من كرامة المواطنين في مواجهة آلة إدارية لا ترى فيهم سوى أرقام على قوائم الدعم.

في المقابل، يرى كثير من المراقبين أن الغضب الذي يعبّر عنه سكان الحوز اليوم هو الوجه الإنساني نفسه للغضب الذي تحمله حركة “جيل زد”. إنها انتفاضة أجيال مختلفة ضد منطق واحد: منطق الإقصاء، الغموض، واحتكار الحقيقة.

جيل جديد… وذاكرة لا تُخدَع

جيل الزفزافي في الريف بالأمس، وجيل الحوز اليوم، وجيل زد في المدن غداً — كلهم يواجهون المخزن نفسه الذي يبني سرديات القوة ويهدم جسور الثقة. هؤلاء الشباب لم يعودوا يقبلون بالوعود ولا بالإحصاءات المضلّلة. إنهم يريدون دولة مسؤولة، لا دولة تتخفّى وراء لجان وبلاغات رسمية.

لقد كان زلزال الحوز امتحاناً حقيقياً لنظام المخزن. لكن ما تبيّن حتى الآن هو أن الزلزال لم يُسقط البيوت فقط، بل أسقط ورقة التوت عن نظام يُجيد إدارة الصورة، ويفشل في إدارة الأزمات.
جيل زد اليوم يراقب، ويكتب بلغة جديدة مفادها: الشفافية ليست منّة، بل حق، والعدالة الاجتماعية ليست شعاراً، بل شرطاً لبقاء الوطن

رابط دائم : https://dzair.cc/i1c2 نسخ