الاثنين 05 ماي 2025

زيارة سلطان عُمان إلى الجزائر… مقاربة استراتيجية لعلاقات عربية نموذجية

نُشر في:

في لحظة سياسية بالغة الأهمية، وفي ظل تحولات إقليمية متسارعة، جاءت زيارة السلطان هيثم بن طارق، سلطان سلطنة عُمان، إلى الجزائر، بدعوة رسمية من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.

هذه الزيارة، التي تُعد الأولى من نوعها على هذا المستوى منذ سنوات، تحمل رسائل دبلوماسية واستراتيجية عميقة، وتعكس إرادة سياسية مشتركة في بناء شراكة نموذجية بين بلدين عربيين يجمعهما الكثير من القيم والمواقف، رغم اختلاف التموقع الجغرافي.

السياق السياسي والدبلوماسي للزيارة:

تأتي زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى الجزائر في ظل مرحلة إقليمية تتسم بالتعقيد، حيث تشهد المنطقة العربية تحديات أمنية، اقتصادية، وجيوسياسية متشابكة، ومع ذلك، تُعد الجزائر وسلطنة عُمان من الدول القليلة التي حافظت على نهج متزن ومستقل في سياساتها الخارجية، قائم على احترام السيادة الوطنية، ورفض التدخلات الأجنبية، والدعوة إلى الحلول السلمية.

وقد نجح البلدان على مدى العقود الماضية في الحفاظ على علاقات دبلوماسية مستقرة وهادئة، دون أن تشهد اضطرابات أو توترات، ما شكل أرضية خصبة لتعزيز التعاون السياسي والتقارب في الرؤى تجاه قضايا العالم العربي.

زيارة الرئيس تبون إلى مسقط… تمهيد استراتيجي للزيارة الملكية:

من المهم التذكير بأن زيارة السلطان هيثم للجزائر تأتي بعد سنة تقريباً من الزيارة التي قام بها الرئيس عبد المجيد تبون إلى سلطنة عُمان في فبراير 2023. تلك الزيارة التاريخية كانت بمثابة وضع حجر الأساس لمسار جديد من التعاون الثنائي، وقد شهدت توقيع عدة مذكرات تفاهم في مجالات استراتيجية، شملت الطاقة والتعدين، الاستثمار المتبادل، النقل البحري والموانئ، التعليم العالي والبحث العلمي، الثقافة والتبادل المعرفي.

وقد أكد الطرفان حينها على أهمية تفعيل اللجنة المشتركة الجزائرية-العُمانية، وبناء شراكات عملية تُترجم الإرادة السياسية إلى منجزات واقعية.

دور الرئيس تبون في توجيه العلاقات وتعزيز الثقة المتبادلة:

لعب الرئيس عبد المجيد تبون دوراً محورياً في إعادة رسم خارطة علاقات الجزائر مع محيطها العربي، وتأتي سلطنة عُمان على رأس الدول التي حظيت باهتمام خاص من طرفه، فالرئيس تبون، الذي يدعو إلى سياسة خارجية متعددة الأقطاب ومبنية على احترام السيادة، وجد في السلطان هيثم شريكاً يشاركه الرؤية ذاتها، ما عزز الثقة المتبادلة وفتح الباب أمام شراكة استراتيجية هادئة ولكن فعالة.

الاستقبال الكبير الذي خص به الرئيس تبون ضيفه العُماني في الجزائر، والمباحثات التي جرت بين الجانبين، تعكس حرصاً مشتركاً على تجاوز التعاون الرمزي نحو مشاريع استراتيجية تشمل مختلف المجالات.

الآفاق الاقتصادية… من التكامل إلى الشراكة:

على الصعيد الاقتصادي، تمثل الزيارة فرصة لإطلاق ديناميكية جديدة تستند إلى التكامل وتبادل المصالح. فالجزائر، بثرواتها الطبيعية وموقعها الجغرافي المتميز كبوابة إلى إفريقيا، تحتاج إلى شركاء في مجال الإدارة الاقتصادية واللوجستية، وهو ما تتميز به سلطنة عُمان من خلال نماذج ناجحة كميناء صلالة والمناطق الحرة.

من جهة أخرى، تسعى سلطنة عُمان إلى تنويع اقتصادها الوطني في إطار “رؤية 2040″، ويمكنها الاستفادة من السوق الجزائرية، واليد العاملة، والفرص الاستثمارية في مجالات الزراعة، السياحة، التكنولوجيا، الصناعة، والصناعات التحويلية.

تفعيل مجلس الأعمال العُماني-الجزائري، وإنشاء مناطق صناعية مشتركة، قد يكونان من بين النتائج الملموسة المرتقبة لهذه الزيارة.

تقارب في الرؤية الإقليمية والدولية:

على المستوى الإقليمي، يُعد التناغم السياسي بين الجزائر ومسقط لافتاً، خصوصاً في المواقف من القضايا الكبرى، فكلا البلدين يدعمان القضية الفلسطينية، كما يتقاطع موقفاهما في ملفات ليبيا، سوريا، واليمن، حيث يدعوان إلى حوار شامل، يضمن وحدة الدول وعدم المساس بسيادتها.

هذا الانسجام السياسي يفتح الباب أمام تنسيق أوسع في المحافل الدولية، وإعادة بعث دبلوماسية عربية تعتمد على الاعتدال والتوازن، بعيداً عن الاصطفافات الحادة.

رسائل الزيارة ودلالاتها:

تحمل زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى الجزائر رسائل متعددة:

رسالة إلى الداخل العربي: التعاون العربي ممكن وواعد إذا توفرت الإرادة السياسية والنضج الدبلوماسي.

رسالة إلى القوى الدولية: الجزائر وعُمان تتجهان نحو بناء نموذج شراكة مستقل وغير تابع، مبني على المصالح المشتركة.

رسالة إلى الشعوب: العلاقات بين الدول لا تُقاس فقط بالمصالح الآنية، بل أيضاً بالقيم المشتركة والتاريخ المشترك.

نحو نموذج عربي عقلاني في العلاقات الثنائية:

تمثل زيارة سلطان عُمان إلى الجزائر، بدعوة من الرئيس تبون، نقطة تحول في مسار العلاقات بين البلدين، وفرصة لتجسيد نموذج عربي عقلاني في التعاون، بعيداً عن منطق التكتلات والاستقطاب. فبينما تعاني المنطقة من أزمات متكررة، يُمكن لعلاقة الجزائر بعُمان أن تقدم مثالاً حياً على أن الدبلوماسية الهادئة، القائمة على الاحترام المتبادل والرؤية الاستراتيجية، هي السبيل نحو مستقبل عربي أكثر استقراراً وتكاملاً.

محمد. ك

اقرأ أيضًا