15 سبتمبر، 2025
ANEP الاثنين 15 سبتمبر 2025
×
Publicité ANEP
ANEP PN2500010

Annonce Algérie Poste
ANEP PN2500010

سانشيز يعلّم محمّد السادس درس الكرامة: متى يتعلم المخزن أن السيادة ليست سلعة تُباع؟

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
سانشيز يعلّم محمّد السادس درس الكرامة: متى يتعلم المخزن أن السيادة ليست سلعة تُباع؟

شهدنا خلال الأيام القليلة الماضية مشهداً ساذجاً ومخزياً في آن واحد: بينما يجاهر رئيس وزراء أوروبي منتخب، بيدرو سانشيز، بدعمه للمجتمع المدني الذي خرج لقطع مضمار طواف إسبانيا تضامناً مع غزة، يواصل نظام المخزن في الرباط توزيع الأوسمة الترحيبية على ضباط وجنود الاحتلال الصهيوني، يستقبلهم كالضيوف “الكرام”، ويغدق عليهم ما يفترض أنه سمات السيادة: لقاءات رسمية، مؤتمرات مشتركة، تدريبات رياضية وثقافية. المشهد ليس مجرد تناقض؛ إنه نفاق سيادي مكشوف.

سانشيز قالها ببساطة مفحمة: “طالما الهمجية مستمرة، لا ينبغي لإسرائيل أن تشارك في أي منافسة دولية”. كلمةٌ تعكس معدن موقفٍ أخلاقي وسياسي واضح: أن الدولة يمكن أن تتحرّك من منطلق قيم لا من منطلق حسابات قصيرة الأمد. وفي الوقت نفسه نقرأ تصريحاتٍ ضمنية لوجوه داخل القصر الملكي المغربي (على رأسهم هشام العلوي) تؤكد الاستعداد لمواصلة مسار التطبيع، بل وتعثّر أي نقاش شعبي جاد حول هذا الخيار الاستراتيجي.

هذه ليست مجرد مسألة علاقات خارجية؛ إنها مسألة جوهر السيادة. السيادة ليست تصاريح استقبال أو صور تذكارية في مطبخ القصر، ولا تُقاس بابتساماتٍ أمام الكاميرات حين يقف ضابط صهيوني في مدرج مغربي. السيادة تقاس بالقدرة على اتخاذ موقف مستقل قائم على مصلحة الأمة وكرامتها، لا على رهانات إقليمية أو صفقات أمنية قصيرة الأجل.

ما يميّز خطاب سانشيز هو ثقةٌ في مصدر شرعيته: المجتمع المدني والمنتخبون. حين يتحد المجتمع المدني مع الدولة المنتخبة، يتحقق الفعل السياسي القوي. رؤيةٌ تحركها إرادة الشعب، لا رغبات القصر ولا حماقات شبكات مصالح تابعة للمخزن. وعلى الضفة المقابلة، نرى في الرباط نظاماً يتعلق بالخارج كملاذٍ أخير لشرعيته؛ يبيع الأرض مقابل نفوذ، ويخاطر بعلاقاتٍ تاريخية ومستقبلية لمجرد استجداء لحمايةٍ خارجية أو امتيازات فورية.

الخطير في الأمر أن التطبيع لم يعد مجرد خيار دبلوماسي؛ صار رمزيةً لصعود جناحٍ داخل القصر، وصراعٍ على النفوذ بين أجنحة العائلة الحاكمة. عندما يتحوّل موقف دولة من قضية عادلة إلى لعبة داخلية لتصفية حسابات أو لتوطيد مصالح فئوية، تكون النتيجة إذعاناً أخلاقياً واستراتيجيًا يجرّ الوطن كله إلى مدارٍ من الضعف.

الجزائر لم تدخل هذا المربع. لم تساوم يوماً على ثوابتها، ولم تجعل من القضية الفلسطينية ورقة تبادُل. موقفنا لم يكن شعاراتٍ فارغة بل قراراً مبنياً على ذاكرة تاريخية ومبدأ ثابت: لا تفاوض في حق الشعوب في تقرير مصيرها. هذا الموقف ليس مجرد وصمة تفاخُر؛ إنه أساس لسياسة خارجية تحترم نفسها ولا تُخضع المستقبل الوطني لمقايضات آنية.

أما الدرس المتبقي من شأن سانشيز، فليس في كلماته فقط، بل في فعل الشارع الإسباني: المواطن الذي يملأ الشوارع ويقاطع حدثاً رياضياً من أجل التضامن مع الضحايا، هو من يحمل السلطة الأخلاقية الحقيقية. وهذا ما يفتقده المخزن: علاقة صادقة وثابتة بين الدولة والشعب. حين يغبُ الشعب من المعادلة، تتحوّل الدولة إلى بضاعة تُعرض للبيع في أسواق النفوذ.

ختاماً، على الرباط أن تختار. أن تختار بين أن تكون دولة تحترم كرامتها وموقف شعبها، أو أن تظل محكومة بعمليات تجميل دبلوماسية لا تغير من حقيقتها شيئاً: زيّ جديد لملكٍ عارٍ. أما الجزائر، فدروس التاريخ وتضحيات الشعب تفرض أن نظل أوفياء لمبادئنا: الاستقلال، السيادة، والوقوف بجانب الشعوب المضطهدة. وهذا هو معيار القوة الحقيقية، لا الاستعراضات والتماثيل الدبلوماسية.

رابط دائم : https://dzair.cc/25x0 نسخ