8 سبتمبر، 2025
ANEP الاثنين 08 سبتمبر 2025

سنتان على زلزال الحوز… جرح مفتوح يكشف فشل المخزن وعمق التهميش والظلم

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
سنتان على زلزال الحوز… جرح مفتوح يكشف فشل المخزن وعمق التهميش والظلم

مرّت سنتان على زلزال الحوز بالمغرب، لكن الزمن لم يخفف جراح الضحايا. على العكس، فقد أظهر أن الكارثة لم تكن مجرد غضب طبيعي، بل مرآة عاكسة لفشل الدولة وتهميشها المزمن للمناطق الجبلية. بين وعود رسمية لم تتحقق وأسر لا تزال تعيش في خيام مهترئة، يتضح أن ما هزّ البلاد لم يكن الزلزال وحده، بل أيضاً سقوط الثقة في نظام يقدّم صوراً براقة للتنمية ويترك مواطنيه في العراء.

مرّت سنتان كاملتان على الزلزال المدمر الذي ضرب إقليم الحوز في 8 سبتمبر 2023، وما يزال المشهد في القرى والمداشر المتضررة يختزل صورة قاتمة عن تقاعس نظام المخزن وفشله في الوفاء بوعوده. آلاف الأسر لا تزال عالقة بين خيام مهترئة لا تقي من البرد القارس ولا من حر الصيف، بينما تحولت خطابات الحكومة إلى شعارات متكررة بلا أثر حقيقي على الأرض.

المأساة التي خلّفها الزلزال لم تعد مجرد كارثة طبيعية، بل أصبحت مرآة لسياسات التهميش المزمنة التي يعانيها سكان الأطلس الكبير. فالوعود الرسمية بتعويض الأسر المنكوبة وإعادة إعمار المدارس والمستشفيات لم تتحقق إلا جزئياً، وغالباً ما تم ذلك بشكل غير عادل وغير شفاف. عائلات كثيرة وجدت نفسها خارج قوائم المستفيدين، فيما استُعملت ملفات الضحايا كأرقام للترويج الإعلامي دون اعتبار لآلام الناس وكرامتهم.

الأوضاع الميدانية تكشف مفارقات صادمة: مدارس لم تكتمل أشغالها، مؤسسات صحية لا تزال مهدمة أو غير مجهزة، وقرى بأكملها تواجه عزلة قاتلة بسبب الطرق غير المعبدة وغياب البنى التحتية. بل إن بعض الأسر اضطرت للهجرة نحو المدن، بحثاً عن لقمة العيش أو سقف يلمّ شملها، لتجد نفسها أمام معاناة مضاعفة: النزوح الداخلي، الفقر، وانعدام العدالة الاجتماعية.

في المقابل، اختارت سلطات المخزن أن تتعامل مع الكارثة بنفس المنطق الذي طبع علاقتها التاريخية بالمناطق المهمشة: منطق الإقصاء والمقاربة الأمنية بدل الإنصات والمواكبة الفعلية. فقد وُجّهت اتهامات للحكومة بمحاولة تهجير بعض العائلات من أراضيها بذريعة إعادة الإعمار، في خطوة فسّرها السكان كامتداد لسياسة نزع الأراضي التي عرفتها المنطقة منذ عقود. هذا السلوك أثار غضب جمعيات حقوقية وسياسية رأت في الأمر “انتقاماً غير معلن” من مناطق ظلت تعاقبها السلطة المركزية بسبب تاريخها النضالي.

بعد مرور سنتين، يتضح أن الدولة المغربية فشلت في اختبار الشفافية. فالميزانيات الضخمة التي أُعلن عن تخصيصها لإعادة الإعمار بقيت غامضة، لا يعرف المواطنون أين صُرفت وكيف وُزعت، فيما تواصلت الشبهات حول استفادة مقاولات مقربة من دوائر القرار من مشاريع لم تُستكمل أو بقيت حبراً على ورق. وهو ما يعيد إلى الأذهان فضيحة “المنارة المتوسط” في الريف، حيث انتهى مشروع التنمية إلى ملفات فساد وإعفاءات شكلية لمسؤولين كبار دون محاسبة حقيقية.

الزلزال لم يُسقط فقط بيوت الطين والحجر، بل هزّ ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة. ساكنة الحوز تشعر اليوم بأنها تُركت لمصيرها، في الوقت الذي توجه فيه الحكومة اهتماماتها لعقد صفقات عسكرية مع الكيان الصهيوني ومشاريع استعراضية في مدن كبرى، بينما يظل الجرح مفتوحاً في قلب الأطلس. هذا التناقض يرسّخ الإحساس بالظلم ويعمّق الهوة بين الشعب والدولة.

أمينة، أرملة خمسينية من دوار قريب من تاحناوت، تقول: «وعدونا بمنازل جديدة، لكن بعد سنتين ما زلت مع أولادي في خيمة صغيرة تتسرب إليها الأمطار. لم نتلق سوى مساعدات موسمية، بينما نعيش يومياً على الصدقات. أشعر أن الدولة تخلت عنا». شهادة بسيطة تختصر عجز سياسات كبرى لم تستطع توفير أبسط شروط الكرامة.

من جانبه، يحكي الحاج محمد، فلاح سبعيني فقد منزله وكل ما يملك: «أرضي يريدون أخذها بحجة إعادة الإعمار. نحن لسنا ضد البناء، لكننا نريد أن نبقى في أرض أجدادنا. المخزن لا يرى فينا سوى أرقاماً أو عقبات أمام مشاريعه».

الذكرى الثانية لزلزال الحوز ليست مناسبة للبكاء على الأطلال، بل لحساب سياسي صارخ: كيف يعقل أن تُترك آلاف العائلات في العراء لعامين كاملين، بينما يُنفق المخزن المليارات على مشاريع وهمية في الصحراء الغربية المحتلة أو على صفقات تسليح لا طائل منها؟ وكيف يمكن لنظام يتشدق بـ”النموذج التنموي الجديد” أن يفشل في أبسط امتحان للتضامن الوطني؟

المأساة ما تزال مستمرة، والحقيقة المؤلمة أن الكارثة لم تنته في تلك الليلة من سبتمبر، بل بدأت من حينها لتكشف طبيعة نظام يقدّم واجهة زائفة للاستقرار والازدهار، بينما يخفي وراءها واقعاً من الفشل والتهميش والاحتقار للمناطق المنكوبة. سكان الحوز لم يعودوا يطالبون بالمستحيل؛ إنهم يريدون فقط العيش بكرامة في بيوت تقيهم المطر والبرد، وتعليم لأبنائهم، ومستشفيات تحمي حياتهم. لكن المخزن، كما يظهر، لا يزال يرى في هذه المطالب عبئاً لا أولوية.

سنتان على الزلزال، وما زال الجرح مفتوحاً. وبدل أن تكون الكارثة فرصة لإعادة بناء الثقة بين الدولة ومواطنيها، تحولت إلى رمز لإخفاقات بنيوية عميقة، وإلى شاهد حي على أن نظاماً يفضّل الصفقات الكبرى على الإنسان، محكوم عليه بأن يبقى غارقاً في أزماته، مهما حاول التجميل أو التلميع.

رابط دائم : https://dzair.cc/dqyz نسخ