صحة ورياضة : فقدان اللياقة البدنية فور التوقف عن ممارسة الرياضة

أيوب بن مومن

يتطلب الحصول على اللياقة البدنية جهدا ووقتا، ولكننا نخسرها بسرعة بمجرد التوقف عن ممارسة الرياضة، في هذا التقرير الذي نشره موقع “ذا كونفرسيشن” الأسترالي، قال الكاتبان دان غوردون وجاستن روبرتس إن آلية خسارة الجسم للياقته تقتضي فهما كاملا لكيفية الوصول إليها في المقام الأول.

ربما يتطلب اكتسابك لياقة بدنية عالية شهورا طويلة من التدريبات الشاقة. ورغم أن القوة التي ستحظى بها بفضل ذلك، قد تتلاشى بسرعة إذا توقفت عن التدريب، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أنك ستضطر في هذه الحالة، إلى البدء من نقطة الصفر من جديد.

لا يشكل اكتساب لياقة بدنية عالية أو صحة جيدة، أمرا سهلا. لذا ربما يتساءل البعض، بعدما يبذلون جهدا كبيرا في ممارسة التدريبات الرياضية لتحقيق هذا الهدف، عن الفترة الزمنية التي سيتمكنون خلالها من الحفاظ على هذه الحالة البدنية المتميزة. الإجابة على هذا السؤال جاءت عبر دراسات، أظهرت أنه مهما كان الجهد المبذول في التدريبات لبلوغ مستوى لياقة بدنية متميز، فإن التوقف عن تلك التمارين لفترة ما، قد يؤدي إلى أن نصبح “غير لائقين بدنيا”، في وقت أسرع بكثير، من ذاك الذي استغرقناه للوصول إلى ذلك المستوى.

وللتعرف على كيف يمكن أن يفقد المرء اللياقة التي اكتسبها بفضل الرياضة حال توقفه عن ممارستها؛ يتعين علينا في البداية فهم الكيفية التي يمكننا من خلالها، أن نصبح لائقين بدنيا. فالعنصر الرئيسي، الذي يوصلنا إلى هذه الحالة، سواء أكانت تتجسد في صورة زيادة القوة العضلية، أو تحسين وضع القلب والأوعية الدموية، وهو ما يُعرف بـ “اللياقة القلبية الوعائية”، يتمثل في أن يتجاوز المرء “الحِمْل المعتاد”، أي أن يجعل جسده يبذل مجهودا يفوق ما اعتاد بذله. وهنا تؤدي الضغوط، التي يتعرض لها الجسم، إلى جعله أكثر تأقلما على ذلك الجهد الإضافي، وأكثر قدرة على التحمل كذلك، وهو ما يقود بالتبعية، إلى اكتسابه معدلات أعلى من اللياقة البدنية.

ويعتمد الوقت الذي تحتاجه لاكتساب تلك اللياقة على عدد من العوامل، من بينها عمرك ومستوى لياقتك من الأصل، بجانب مقدار الجهد الذي تبذله في التدريبات، بل وحتى البيئة التي تتدرب في ظلها. فالتلوث وارتفاع درجة الحرارة قد يؤثران – مثلا – على استجابتك الفسيولوجية لتلك التدريبات.

رغم ذلك، تشير بعض الدراسات إلى أنك قد لا تحتاج سوى إلى ست جلسات من التدريبات المتقطعة، لزيادة ما يُعرف بـ “السعة القصوى للأكسجين”، وهو مصطلح يشير إلى “أكبر سعة يستطيع الجسم استيعابها من الأكسجين، في حالة بذله أقصى جهد ممكن في الدقيقة”. ويمثل مستوى هذه السعة، أحد المقاييس التي يمكن التعرف من خلالها، على مستوى اللياقة العام، الذي يحظى به المرء. كما يمكن أن تُحسِّن هذه الجلسات، قدرة الجسم على بث النشاط في أوصاله، خلال ممارسة الرياضة، وذلك عبر استخدام السكريات المُخزَّنة في خلايانا.

ويكمن مفتاح تحسين اللياقة البدنية -سواء عن طريق تعزيز لياقة القلب والأوعية الدموية أو القوة العضلية- في تجاوز “القدرة على التحمل المعتادة” وهذا يعني بذل مجهود بدني أكبر مما اعتاد عليه الجسم.

ويعتمد الوقت الذي يستغرقه الجسم لتحصيل اللياقة البدنية على عدد من العوامل، بما في ذلك مستويات اللياقة البدنية الأولية، والعمر، والجهد المبذول، وحتى البيئة المحيطة، وتشير بعض الدراسات إلى أن 6 جلسات فقط من التدريب المتقطع يمكن أن تزيد السعة القصوى للأكسجين في الجسم -وهو مقياس اللياقة العامة- وتحسّن مدى كفاءة الجسم في تزويد نفسه بالطاقة من خلال حرق السكر المخزن في الخلايا أثناء ممارسة الرياضة.

فعلى سبيل المثال، تحسّن تمارين القوة والمقاومة من القوة العضلية في أقل من أسبوعين، لكن التغيّرات في حجم العضلات لن تظهر إلا بعد مدة تتراوح ما بين 8 و12 أسبوعا من التدريب، والرياضيون الذين اعتادوا على التدريبات المكثفة سيشهدون عند انقطاعهم انخفاضا حادا في سعة الأكسجين القصوى (غيتي إيميجز)

وأشار الكاتبان إلى أن سرعة فقدان اللياقة البدنية فور التوقف عن ممارسة الرياضة تعتمد على العديد من العوامل، بما في ذلك نوع اللياقة (مثل القوة العضلية أو لياقة القلب والأوعية الدموية) مثلا، يمكن لعدّاء ماراثون اكتسب لياقته البدنية على مدى 15 عاما، من خلال ممارسة الرياضة من 5-6 أيام في الأسبوع، أن يبدأ بفقدان تلك اللياقة في غضون أسابيع قليلة من الراحة.

وتتراجع اللياقة القلبية التنفسية -المشار إليها بواسطة سعة الأكسجين القصوى (كمية الأكسجين التي يمكن أن يستخدمها الشخص أثناء ممارسة الرياضة)- بنسبة 10% تقريبا في الأسابيع الأربعة الأولى بعد التوقف عن التمرين. ويستمر ذلك الانخفاض ولكن بمعدل أبطأ على مدى فترات أطول.

وأشار التقرير إلى أن الرياضيين الذين اعتادوا على التدريبات المكثفة سيشهدون عند انقطاعهم عن التدريب انخفاضا حادا في سعة الأكسجين القصوى، الأسابيع الأربعة الأولى، إلا أن هذا الانخفاض يستقر في النهاية عند مستوى يكون أعلى من الشخص العادي، وخلال أول يومين بعد التوقف عن التمرين ينخفض حجم البلازما بنسبة 5% مما يقلل من كمية الدم التي يضخها القلب، لكن بالنسبة للإنسان العادي، تنخفض سعة الأكسجين القصوى بشكل حاد، لتعود إلى مستويات ما قبل التدريب في أقل من 8 أسابيع.

ويعزى انخفاض سعة الأكسجين القصوى إلى تراجع حجم الدم والبلازما -الذي يقل بنسبة تصل إلى 12%، الأسابيع الأربعة الأولى، بعد توقف الشخص عن التدريب- نظرا لنقص الضغط على القلب والعضلات.

وخلال أول يومين بعد التوقف عن التمرين، ينخفض حجم البلازما بنسبة 5% مما يقلل من كمية الدم التي يضخها القلب في أنحاء الجسم مع كل نبضة. لكن هذه المستويات تستقر عند المعدل الأولي، ولا تسوء عما قبل التمرين، وتظهر الأدلة أن انقطاع الشخص العادي عن تمارين المقاومة ورفع الأثقال، لمدة 12 أسبوعًا، من شأنه أن يسبب انخفاضا كبيرا في وزن الأثقال التي يستطيع حملها.

ولحسن الحظ، توصلت أبحاث إلى أنه يمكن الحفاظ على بعض القوة العضلية التي اكتسبها المرء قبل الانقطاع عن التدريب. والمثير للاهتمام أنه رغم التراجع الملحوظ في القوة العضلية، فإن حجم ألياف العضلات لا يشهد سوى تقلص طفيف.

وأوضح الكاتبان أن فقدان قوة العضلات يعود لوقف الضغط عليها وخمولها مما يؤدي إلى تقلص ألياف العضلات وتقليل عدد العضلات التي يستخدمها الجسم أثناء النشاط البدني خلال اليوم، وهذا الأمر يجعلنا أقل قدرة على رفع الأوزان الثقيلة المعتادة.

وبعد أسبوعين فقط من الانقطاع عن التمرين، يتقلص عدد الألياف العضلية المستخدمة عادة أثناء التمرين بحوالي 13%، رغم أن ذلك لا يبدو مصحوبا بتراجع القوة العضلية ككل. ويدل ذلك على أن البقاء فترات أطول دون تمرين ينتج عنه مزيج من التقلص الأولي بعدد ألياف العضلات المفعّلة مع انخفاض أبطأ في كتلة العضلات.

وأشار التقرير إلى أن المرء لا يشعر بتأثيرات الانقطاع عن التدريب إلا بعد مرور أسبوعين إلى 3 أسابيع على الأقل بالنسبة للياقة القلب والأوعية الدموية، وحوالي 6-10 أسابيع بالنسبة للقوة العضلية، كما أن التغيرات التي تطرأ على الجسم تكون متشابهة بين الرجال والنساء، وحتى للرياضيين الأكبر سنا، ولكن كلما كان المرء أكثر لياقة بادئ الأمر، قلّت وتيرة فقدانه للياقة التي اكتسبها.

شارك المقال على :