الأربعاء 09 جويلية 2025

صراع الحكم في الإمارات: رجل الظل طحنون بن زايد يستميت لإفشال خطط إقصائه ويتشبث بالبقاء في مواجهة النفوذ المتزايد لخالد بن محمد بن زايد

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
صراع الحكم في الإمارات: رجل الظل طحنون بن زايد يستميت لإفشال خطط إقصائه ويتشبث بالبقاء في مواجهة النفوذ المتزايد لخالد بن محمد بن زايد

على مدى عقدين من الزمن، ظل طحنون بن زايد آل نهيان يُعتبر أحد أكثر الشخصيات نفوذاً في النظام الإماراتي، مشكلاً محوراً هاماً خلف الكواليس لتعزيز موقعه وتأثيره. شخصية نادرة لا يظهر كثيراً تحت الأضواء، لكنه بقي ممسكاً بخيوط الأجهزة الأمنية والملفات الاستخباراتية الحساسة، إلى جانب المال السياسي الممتد عبر قارتين، آسيا وإفريقيا.

طحنون كان يُعرف بأنه “الرجل الذي يعلم كل شيء”، لكنه نادراً ما يُسأل عن مسؤوليته في أي شيء. شغل مواقع حساسة، مثل رئاسته المجلس الأعلى للأمن الوطني والإشراف على جهاز أمن الدولة، بالإضافة إلى إدارة مسارات استثمارية ضخمة عبر شركات مثل “القابضة” (ADQ) و”رويال غروب”. هذه الأدوار منحته مكانة مركزية بوصفه صانع قرار من خلف الستار.

لكن الملامح الغامضة لهذا الرجل القوي تغيرت في السنوات الأخيرة عندما بدأ يظهر علناً في لقاءات ومؤتمرات رسمية ودولية، كما باشر بزيارات خارجية واضحة. بدا وكأن ولي عهد أبوظبي السابق والرئيس الحالي، محمد بن زايد، أراد رفع طحنون إلى واجهة المشهد، مانحاً إياه دوراً علنياً أكبر من ذي قبل.

غير أن ظهوره المفاجئ لم يكن دون مغزى. وفقاً لمصادر مطلعة ومراقبين سياسيين، بدا هذا التحرك أشبه بمحاولة لكشف طحنون أمام العواصم الغربية التي بدأت تبدي تحفظاً تجاه أدواره المعقدة، خصوصاً تلك المتعلقة بمجال الأمن السيبراني والسياسة الاستخباراتية.

حتى عام 2022، كان طحنون يُعتقد أنه المرشح الأقوى لخلافة محمد بن زايد. فقد حظي بدعم واسع في دوائر القوة الأمنية والاقتصادية في الدولة، نظراً لخبرته العميقة في إدارة الشبكات المعقدة للمصالح الإماراتية داخلياً وخارجياً. إلا أن صعود خالد بن محمد بن زايد، نجل الرئيس، أضاف ديناميكية جديدة قلبت هذا الافتراض.

طحنون واجه تحديات أثّرت على مستقبله السياسي. ملفات حساسة مثل التجسس السيبراني المرتبطة بـ “دارك ماتر” أحدثت توتراً مع واشنطن والمؤسسات الأمنية الغربية، بينما ساهمت أدواره في النزاعات الإقليمية داخل دول عربية مثل ليبيا واليمن والسودان في خلق توترات مع أجهزة استخباراتية أوروبية. حتى شركاته المالية واجهت قيوداً غير معلنة من شركات التكنولوجيا الأمريكية بسبب نشاطها في السوق السيبراني.

هذه العقبات جعلت طحنون عبئاً دبلوماسياً يصعب ترسيخه كخليفة محتمل للحكم، وفي لحظة حاسمة بدا أن محمد بن زايد اختار ابنه خالد ليكون الوريث الأكثر قبولاً دولياً وتحضراً. تعليم خالد المتميز في بريطانيا وصورته كخبير أمني حديث ساعدت في تقديمه بصورة نظيفة بعيداً عن الشبهات السياسية التي تحيط بطحنون.

رغم ذلك، التخلص من طحنون لم يكن أمراً سهلاً. جرى بشكل تدريجي تفكيك جزء من إمبراطوريته عبر سحب الملف الأمني منه لصالح خالد، وتقليل أدوات مراقبة رجاله المقربين وتقليص حضوره الخارجي في الشؤون الأمنية. ومع ذلك، استمر طحنون كفاعل قوي عبر إعادة تركيز نفوذه على الاقتصاد.

استثمر طحنون بقوة في المجال الاقتصادي عالي المستوى، حيث لعب دوراً محورياً من خلال صفقات ضخمة مثل مشروعات “G42” للذكاء الاصطناعي، التي أصبحت أداة استراتيجية لتعزيز مكانة الإمارات في التكنولوجيا المتقدمة وتحليل البيانات الضخمة. كما سعى لبناء تحالفات موازية بعيداً عن التأثير الأمريكي عبر زيارات إلى بكين وموسكو، موازاةً لاستعادته علاقات أمنية خارجية غير رسمية مع دول مثل مصر والأردن ومالي.

المثير للاهتمام أن طحنون لا يزال يشكل رقماً صعباً داخل النظام ولم يسلم فعلياً ملف الوراثة لصالح خالد بالكامل. رغم الدعم الذي يتمتع به خالد من والده، يعتقد طحنون أن الأخير يفتقر إلى الأدوات الكاملة للسيطرة والنفوذ الذي راكمه هو شخصياً عبر سنوات طويلة من العمل داخل الدولة. فجزء من النخبة السياسية والاقتصادية لا تزال تتردد في الانحياز الكامل لجناح خالد.

يدرك طحنون تماماً أن خالد، على الرغم من الدعم الرسمي الذي يحظى به من والده، لا يزال يفتقر إلى أدوات السيطرة الكاملة بمفرده، كما يفتقد شبكة القرار الشاملة والعمق الأمني والعشائري الذي بناه طحنون على مدار أكثر من خمسة عشر عاماً. ولا تزال شريحة من النخب الأمنية والاقتصادية في الإمارات إما تدين بالولاء لطحنون أو، على أقل تقدير، تقف موقف التحفظ تجاه حصر السلطة في جناح واحد بقيادة خالد.

لهذا، يمكن القول إن الصراع لم ينتهِ بعد، بل انتقل إلى مرحلة “الكمون”.

طحنون ليس من أولئك الذين يتحركون بانفعالية أو كرد فعل لحظي. فهو يراهن على الخطأ الذي قد يرتكبه خصومه في الوقت المناسب. كما أنه يدرك تماماً ديناميكيات القصور المغلقة، حيث من يبادر بالظهور أولاً يكون عرضة للسقوط قبل الآخرين.

يصف البعض الوضع الحالي بأنه أشبه بـ”حرب باردة” غير معلنة داخل أروقة العائلة الحاكمة. تتسم هذه الحرب بالصمت وبحركة مدروسة للأدوات المتاحة لدى الطرفين، مع توجه كل منهما إلى استقطاب رجال الدولة والنخب الاقتصادية. في هذه الأثناء، يراقب الجميع قدرة خالد على سد الفراغ الذي سيتركه والده ذات يوم.

لكن الخلاف لا يقتصر فقط على شغل المناصب الرسمية، بل يمتد ليتعلق بمن ستكون له اليد الطولى على الأجهزة الأمنية، وإدارة المال السيادي، وشبكات النفوذ الخارجية. فالإمارات اليوم ليست مجرد دولة تعتمد على النفط فحسب، بل باتت قوة استثمارية ضخمة تمتلك أدوات تأثير متشابكة وفعالة على الصعيدين الإقليمي والعالمي. والسيطرة على هذه الشبكة المعقدة هي التي ستحدد من سيصبح الرجل الأقوى مستقبلاً.

وفي الوقت الذي يسعى فيه خالد لرسم ملامح رجل حديث متفتح ومعاصر، يقف طحنون بموقع الرجل الذي يدرك خبايا القصر وأسرار الإقليم عن ظهر قلب. فهو يعلم الكثير مما لا يعرفه الآخرون، مما يجعله رقماً صعباً في معادلة الحكم.

ورغم أن هناك من يعتقد أن نفوذ طحنون تراجع بعض الشيء مقارنة بالماضي، إلا أن الحقيقة هي أن قدرته على البقاء متخفياً وفي الظل قد تكون أبرز نقاط قوته. فالصمود بعيداً عن الأنظار أحياناً يكون أكثر تأثيراً من العمل الظاهر.

في النهاية، الزمن في صراعات الحكم ليس مجرد مسألة أيام أو أشهر، بل هو انتظار للحظة المصيرية التي تُحَدَّد فيها كل المسارات. وطحنون يعرف جيداً متى وكيف ينتظر تلك اللحظة.

رابط دائم : https://dzair.cc/kq9t نسخ