الاثنين 24 نوفمبر 2025

صندوق محمد السادس للاستثمار.. دولة اقتصادية داخل الدولة بلا برلمان ولا محاسبة

نُشر في:
صندوق محمد السادس للاستثمار.. دولة اقتصادية داخل الدولة بلا برلمان ولا محاسبة

يقدَّم “صندوق محمد السادس للاستثمار” منذ ولادته الأولى كـ“قلب الاقتصاد المغربي الجديد”، وكقاطرة يفترض أن تجرّ البلاد نحو ما تسميه الرباط “اقتصاد ما بعد الجائحة”. لكنّ الواقع، كما تكشفه البيانات الغائبة قبل تلك الموجودة، يشي بأننا أمام كيان مالي موازٍ يتمدد بهدوء، ويتغذّى من المال العام، دون أن يخضع لحدٍّ أدنى من الرقابة أو النقاش العمومي.

منذ إطلاقه، التهم الصندوق مليارات الدراهم القادمة من ميزانية الدولة المغربية، إضافة إلى قروض ثقيلة تُضاف إلى جبال الدين العمومي الذي سيرثه المغاربة جيلاً بعد جيل. ومع ذلك، لا أحد داخل المغرب يعرف على وجه الدقة: ما الذي موّله الصندوق؟ وما أثره؟ ومن يستفيد من موارده؟ وكيف تُصرف كل هذه الكتل المالية باسم “الإنعاش الاقتصادي” بينما لم يُنعش شيئاً سوى نفوذ الشركات الكبرى المقربة من السلطة؟

أموال عمومية تذوب في الظل

المفارقة الصارخة أنّ حكومة المخزن التي تُطالب المواطن المغربي بـ“شَدّ الحزام”، وتُبرّر رفع الأسعار والضرائب بنقص الموارد، لا تجد أي حرج في تحويل مليارات إضافية إلى صندوق لا يملك سجلاً مفصلاً لمشاريعه ولا تقارير دورية ولا أهداف اقتصادية قابلة للقياس. وكأننا أمام آلة مالية تعمل على طريقة “ضع المال وانسَ الأسئلة”.

لا برلمان يناقش. لا إعلام يراقب. لا مجلس أعلى للحسابات يحقق. صندوق يتحرك خارج خريطة المؤسسات المغربية نفسها، وكأنه معفى من القوانين التي تُطبق بحزم على أصغر جمعية أو تعاونية.

لوبيات تتغذّى واقتصاد حقيقي يختنق

ما يتسرب من مشاريع الصندوق يكشف انحيازاً واضحاً نحو المجموعات الاقتصادية الكبرى، تلك التي لا تحتاج في الأصل لأي دعم عمومي. أما المقاولات الصغيرة والمتوسطة التي تمثل 90% من الاقتصاد المغربي، فهي آخر ما يصل إليه الصندوق، إن وصل شيء أصلاً.

بهذا الشكل، يصبح الصندوق أداة لتوجيه الاستثمار إلى “الجهات المحظوظة”، وتكريس اقتصاد مغلق تتحكم فيه قلة نافذة، بينما تُترك عشرات الآلاف من الشركات الصغيرة دون أكسجين.

دين يرتفع وصندوق يبتلع

في وقت يسجل فيه الدين العمومي المغربي أرقاماً صادمة، ويتراجع الاستثمار العمومي، وتنهار الخدمات الاجتماعية في التعليم والصحّة، يظهر الصندوق كابتلاع هادئ للموارد المالية المتبقية، دون أن ينعكس ذلك على حياة المغاربة، لا في فرص الشغل، ولا في تنويع الاقتصاد، ولا في تحسين البنية التحتية.

تحوّل صامت نحو “اقتصاد فوق الدولة”

الخطر ليس في الصندوق ذاته، بل في النموذج السياسي الذي يخلقه: مؤسسة عملاقة، بلا رقابة، بلا تقييم، بلا مساءلة، تُدير مليارات من المال العام وتوجّه مستقبل الاستثمار الوطني في المغرب من وراء الستار. نموذج يعيد إنتاج منطق “الدولة داخل الدولة”، ويحوّل الاقتصاد إلى مجال مغلق تديره سلطة مالية وسياسية واحدة.

إن استمرار هذا الوضع يعني عملياً تجميد الشفافية، وإضعاف المؤسسات، وتحويل المال العام إلى مغارة مالية لا يعرف أحد ماذا يدخل إليها ولا ماذا يخرج منها.

رابط دائم : https://dzair.cc/znt9 نسخ

اقرأ أيضًا

×
Publicité ANEP
ANEP PN2500018