الأحد 03 أوت 2025
إعلان
ANEP PN2500003

عائلات المهاجرين المغاربة المفقودين تواصل البحث عن أبنائها وتطالب سلطات المخزن بإظهار الحقيقة

تم التحديث في:
بقلم: أحمد عاشور
عائلات المهاجرين المغاربة المفقودين تواصل البحث عن أبنائها وتطالب سلطات المخزن بإظهار الحقيقة

تحولت قضية المهاجرين المغاربة المفقودين من مجرد أرقام صامتة إلى صرخة إنسانية تتجاوز الحدود. وسط قصص مأساوية لمئات الشباب الذين سعوا وراء الحلم الأوروبي واختفوا في عرض البحر، تتولى جمعية تمتد أنشطتها من وجدة إلى جنيف دعم العائلات في رحلة البحث عن أحبائها.

ومع تزايد حالات الاختفاء، تواجه العديد من الأسر المغربية دوامة من الحزن والألم في ظل تجاهل رسمي مستمر، ما دفع جمعيات مثل “الجمعية المغربية لمساندة المهاجرين في وضعية هشاشة” (AMSV) إلى تحدي هذا الصمت والسعي لتحويل الألم إلى مساعٍ تطالب بالعدالة.

من مقرها في مدينة وجدة الواقعة شمال شرق المغرب، تقوم الجمعية بقيادة متطوعين وأهالي المفقودين بتوثيق حالات الاختفاء، والضغط على الجهات الرسمية، وتقديم شكاوى إلى الهيئات الدولية بجنيف لضمان عدم نسيان أو إغفال أسماء أولئك الذين صاروا ضحية البحر أو اختفوا في ظروف غامضة.

ويشير رئيس الجمعية حسن عماري، في مقابلة مع DW عربية، إلى تأسيس الجمعية عام 2017 حيث كان الهدف الأساسي معالجة قضايا الهجرة بشكل عام، خصوصاً مع غياب واضح للجمعيات المهتمة بالملف شرق المغرب. لكن مع تطور الأمور بشكل دراماتيكي، وتزايد حالات الاختفاء في عام 2020، تحولت الجمعية إلى منصة للدفاع عن حقوق المهاجرين المفقودين. وجاء ذلك بالتزامن مع استضافة مدينة وجدة أول فعالية دولية لإحياء ذكرى هؤلاء الضحايا خلال شهر فبراير من العام نفسه.

ويؤكد عماري أن الجمعية تعاملت مع أكثر من 600 حالة اختفاء منذ بدء تلقي الاتصالات من العائلات عام 2021. أغلب هذه الحالات ظهرت في مناطق عبور خطيرة كالبحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، بالإضافة إلى بعض البلدان مثل الجزائر، تونس، ليبيا وحتى البلقان.

على الرغم من تعزيز مراقبة الحدود من قبل السلطات الأمنية، لم تتوقف محاولات الهجرة. فقد سجل المغرب أكثر من 79 ألف محاولة هجرة غير نظامية في عام 2024، معظمها تمت عبر قوارب متهالكة انطلقت من نقاط خطرة مثل أكادير وسيدي إفني والرباط والدار البيضاء. في ظل هذه الظروف وغياب المسارات الآمنة، بات البحر بمثابة مقبرة جماعية للعشرات من الفارين نحو مصير مجهول.

إلى جانب حملات التوثيق، نجحت الجمعية في حشد جهود العائلات لتنظيم وقفات احتجاجية أمام البرلمان ومطالبة السلطات بإجراء تحليل الحمض النووي للتعرف على الجثث المجهولة الهوية. كما تم تنظيم اعتصامات أمام وزارتي الداخلية والخارجية مطالبة بتدخل حكومي عاجل. ورغم شح الموارد المالية، يستمر حسن عماري، رئيس الجمعية، بقيادة هذه الجهود. ويقول: “عندما اكتشفنا أن الأبواب الوطنية مغلقة أمامنا، قررنا اللجوء إلى المنصات الدولية بحثاً عن العدالة”.

في مدينة جنيف السويسرية، قامت الجمعية بتقديم ملفات تحتوي على قوائم شاملة بالمهاجرين المفقودين والمعتقلين إلى المقررة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان للمهاجرين بالأمم المتحدة، بالإضافة إلى مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان (OHCHR)، مطالبة باعتراف دولي بهذه القضية الإنسانية.

كما سلّطت الجمعية الضوء على قضية مهاجرين مفقودين موجودين رهن الاعتقال في الجزائر، حيث يواجهون اتهامات بالدخول غير القانوني. هؤلاء الأشخاص يواجهون أحكامًا صارمة تصل إلى السجن لمدة عشر سنوات، ما يعكس الظروف الشديدة التي يتعرض لها هؤلاء المهاجرون.

ورغم تحقيق بعض الانفراجات المحدودة في تسليم جثامين بعض المهاجرين، إلا أن الأزمة الدبلوماسية القائمة بين البلدين الجارين تعيق استرجاع باقي الجثامين، في ظل تكاليف نقل مرتفعة تصل إلى 7000 يورو للجثة الواحدة. وفي هذا السياق، يصرّح عماري بأن هناك أكثر من سبع جثث معلومة الهوية محتجزة في الجزائر.

وفي محاولة للحفاظ على ذكريات المفقودين، يقوم أهاليهم برفع صورهم، مستذكرين اللحظات الأخيرة التي غامروا فيها بعبور مسارات خطرة في البحر، بحثًا عن الحلم الأوروبي الذي تحول لكابوس بالنسبة للكثيرين.

بينما تستمر العائلات المغربية في البحث عن أبنائها المفقودين وسط صمت رسمي كبير. رحلة البحث هذه مليئة بالحزن والتصميم والأمل الذي غالبًا ما يكون ممزوجًا بالانكسار. من مدينة سلا المغربية، تحدثت حفيظة لبيض عن قصة شقيقها عبد السلام الذي كان يحلم بأن يصبح لاعب كرة قدم محترف. حلمه توقف بشكل مأساوي عندما غامر بحياته في البحر عام 2021. في مغامرته نحو قادس الإسبانية، انطلق عبد السلام مع مجموعة من 16 شاباً، محملًا فقط بأحذيته الرياضية وقميص فريقه. الطريق الذي سلكوه عبر البحر، يُعتبر من أخطر طرق الهجرة في العالم.

تصف حفيظة كيف كان شقيقها مهووساً بكرة القدم لدرجة أنها حاولت جاهدة منعه من المغادرة، لكن دون جدوى. عبد السلام، مثل العديد من شباب المغرب، وجد نفسه محاصراً بين رفض التأشيرات وتضاؤل الفرص، فاختار أن يواجه البحر رغم مخاطر الموت. غادر شواطئ سلا ولم تظهر له أي أخبار منذ ذلك الوقت، تاركًا وراءه أحلامًا ضائعة وأسئلة معلقة.

أم أسامة تناشد بلدها التحرك بحثًا عن ابنها المفقود

تروي فاطمة، أم أسامة، قصة مؤلمة امتدت لأكثر من ثلاث سنوات، حيث لم يتوقف بحثها عن ابنها الذي اختفى في عرض البحر بتاريخ 16 ديسمبر/كانون الأول 2021 قبالة السواحل التونسية. كان أسامة واحدًا من 33 شابًا، جميعهم أبناء حيّها، غادروا في رحلة انتهت بغيابهم التام.

تعيش فاطمة وسط ألم مقيم وتصف حياتها بـ”الصمت الذي لا يُطاق”، مطالبة بتحرك عاجل لإنهاء هذا الكابوس. رغم سفرها إلى تونس وتفقدها للجثث بحثًا عن أمل، لم تجد سوى المزيد من التساؤلات بلا أي إجابة. ورغم العثور على جثتين من رفاق ابنها، لم تتلق عائلات الضحايا أي إعلان رسمي يطمئنها، ما يدفع فاطمة للتعبير عن استيائها من الصمت المغربي تجاه هذه المأساة.

في كل ما مرت به، تكشف فاطمة عن الثمن الباهظ الذي دفعته في محاولات البحث المستمرة، حيث باعت كل ما تملك، متسائلة بألم “كم من أم أخرى لا تملك ما تبيعه أصلًا؟”. إثر تفحص نتائج الحمض النووي التي لم تسفر عن أجوبة كافية، تحوّل أملها إلى مساحة أكبر من الغموض. رغم شكرها لتعاون السلطات التونسية، تطالب بلدها المغرب بالتحرك: “هؤلاء الأولاد مغاربة”.

الأمل المستمر لعائلات المفقودين

وسط هذا الاختفاء المؤلم، تبرز الجمعية المغربية لمساندة المهاجرين في وضعية هشاشة كداعم رئيسي لهذه العائلات. تسعى الجمعية لمنح صوت قوي للعائلات في مواجهة الغياب، وترافقهم في رحلتهم للبحث عن الحقيقة والعدالة. تنظّم الجمعية سنويًا حدثًا لإحياء ذكرى مأساة معبر طراخال في مدينة وجدة، وتجمع فيه العائلات من مختلف المدن لتقديم شهادات حية والمشاركة في مسيرة رمزية نحو البحر في السعيدية، حيث تُلقى الزهور كطقس للتعبير عن حزن وأمل لا ينتهي.

ساهمت الجمعية خلال عامي 2023 و2024 في توثيق أكثر من 800 حالة تشمل مفقودين ومحتجزين ومتوفين على طرق الهجرة الخطرة. قصص هؤلاء تتوزع بين ليبيا وتونس والجزائر وحتى المحيط الأطلسي، حيث العديد من العائلات تواجه ألم الغياب القسري والاحتجاز المطوّل. وكشفت الجمعية أيضًا عن وجود 438 مغربيًا محتجزين في سجون الجزائر، بالإضافة إلى حالات متعددة لمفقودين من جنوب الصحراء الكبرى والجزائر داخل الأراضي المغربية.

في مؤتمر نظّمته منظمة “يوروميد” بالرباط، شدّد الباحث الإيطالي فيليبو فوري على دور العائلات والمجتمع المدني في كشف مصير المفقودين والعمل على تحقيق العدالة. وفي الوقت نفسه أشار إلى أن تفاعل السلطات غالبًا ما يكون متأخرًا أو بعيدًا عن الأولويات الرئيسية.

أصوات مقاومة النسيان

أسماء مثل حفيظة وفاطمة تجاوزت الألم الخاص بها لتصبح رموزًا للنضال المشترك لعائلات المهاجرين المفقودين. حفيظة التي فقدت شقيقها عبد السلام، لاعب كرة القدم الطموح، تعيش يوميات كئيبة داخل منزل يحاصرها بذكرياته وحضوره الذي لم ينطفئ بعد. تقول: “لا يمكننا الحداد أو المضي قدمًا دون معرفة الحقيقة؛ أين هو؟ هل هو حي أم ميت؟”.

أما فاطمة فتواصل الحديث عن ابنها أسامة بلهجة حازمة تحمل آلام الحيرة: “نريد الحقيقة فقط. إذا كانوا أمواتًا نريد أن نحزن عليهم كما يستحقون. وإذا كانوا أحياء نريد أن نعرف أين هم”. هذه المطالب البسيطة الممزوجة بالأمل والحزن توحد صوتها مع مئات العائلات الأخرى.

على الرغم من شح الموارد والتحديات المستمرة، تصر جمعية مساندة المهاجرين في وضعية هشاشة على الوقوف بجانب العائلات وتوصيل صوتهم من وجدة إلى المحافل الدولية مثل جنيف. رئيس الجمعية حسن عماري يعبر عن هذا الالتزام قائلًا: “لقد قطعنا وعدًا وسنفعل كل ما بوسعنا لمساعدة العائلات في البحث عن الحقيقة والعدالة”.

بتصرف عن موقع دويتش فيله الألماني: https://p.dw.com/p/4yRQ3

رابط دائم : https://dzair.cc/a0w7 نسخ