8 أكتوبر، 2025
ANEP الأربعاء 08 أكتوبر 2025

عندما تتحول فرنسا من “حامية الحقوق” إلى “حرامية” مع المخزن لنهب ثروات الصحراء الغربية

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
عندما تتحول فرنسا من “حامية الحقوق” إلى “حرامية” مع المخزن لنهب ثروات الصحراء الغربية

في مشهدٍ يعيدنا إلى عصور الاستعمار المقنّع، اختارت فرنسا هذه المرة ألا تحمل مدافع المستعمر، بل الحقيبة الاستثمارية، لتغرس أموالها في أرضٍ ليست لها، وتحت راية احتلالٍ لا يعترف لا بقانون دولي ولا بحق تقرير المصير. منتدى رجال الأعمال الفرنسيين المنعقد في مدينة الداخلة المحتلة، ليس حدثًا اقتصاديًا بريئًا، بل خطوة جديدة في مسلسل “الاستثمار في الاحتلال” الذي يرعاه نظام المخزن، ويباركه الغرب بصمته المريب.

منذ احتلال المغرب للصحراء الغربية عام 1975، بعد انسحاب إسبانيا، ظلّ هذا الملف عنوانًا صارخًا لفشل المجتمع الدولي في حماية الشعوب من منطق القوة والغنيمة. لكن ما يحدث اليوم هو أخطر من الاحتلال العسكري: إنه تطبيع اقتصادي وسياسي، تساهم فيه باريس تحت لافتة “تشجيع التنمية” بينما تتجاهل أنّ التنمية الحقيقية لا تُبنى على القهر وسلب الإرادة.

فرنسا التي ترفع شعارات “الحرية والمساواة والأخوة”، هي نفسها التي ترسل شركاتها إلى الأراضي الصحراوية لتستثمر في الفوسفات والطاقات المتجددة والصيد البحري، دون أدنى اعتبار لقرارات الأمم المتحدة التي تعتبر الإقليم غير متمتع بتقرير المصير. بل إن بعض الشركات الفرنسية تبرم اتفاقيات مباشرة مع سلطات الاحتلال المغربي، متجاوزة حتى القانون الأوروبي الذي حكم ببطلان أي اتفاق يشمل أراضي الصحراء الغربية دون موافقة شعبها الممثل بجبهة البوليساريو.

بهذا السلوك، لم تعد فرنسا مجرّد متفرج، بل شريك فعلي في تكريس سياسة “النهب مقابل الصمت”، وهي سياسة تُعيد إنتاج منطق الوصاية الاستعمارية في ثوبٍ جديد.

أما نظام المخزن، فقد ظنّ أنه بشراء المواقف الغربية وبناء واجهات اقتصادية في الداخلة والعيون، يمكنه تحويل الأمر الواقع إلى “شرعية دولية”. لكن شرعية تُبنى على الاحتلال، ستظل باطلة، ولو صفق لها نصف العالم. فالمخزن لم يفهم بعد أن الأزمات لا تُحل بالدعاية ولا بالمال، بل بالاعتراف بحق الشعوب في الحرية والكرامة والسيادة.

لقد فشل النظام المغربي في إقناع العالم بعدالة أطروحته، كما فشل في كسب قلوب الصحراويين الذين يدفعون ثمن “تنميةٍ مزعومة” تُخفي وراءها عسكرة الحياة وقمع الحريات ومصادرة الهوية.

الموقف الفرنسي من الصحراء الغربية لا يُدين باريس وحدها، بل يفضح أيضًا صمت مجتمع دولي قبل أن تُستبدل مبادئ التحرر بسياسات المصالح. كيف يُعقل أن تُعقد المنتديات في أرض محتلة دون أن يصدر صوت واحد يدين؟ أين هي الأمم المتحدة ووكالاتها التنموية ومجالسها الحقوقية التي ترفع الشعارات فقط حين يتعلق الأمر بدول الغرب؟

إن القضية الصحراوية ليست قضية حدود، بل قضية حق مسلوب، وامتحان أخلاقي للعالم بأكمله. وكل يوم يصمت فيه عن نهب خيرات الصحراء، يكتب التاريخ فيه فصلًا جديدًا من الخيانة الجماعية.

لقد آن الأوان أن نقولها بصوتٍ عالٍ:
من يستثمر في الصحراء الغربية يموّل الاحتلال. ومن يصمت عن ذلك، يشارك في الجريمة.

الصحراء ليست أرضًا بلا شعب، بل وطنٌ ينتظر العدالة. والعدالة لن تأتي من باريس، بل من المواقف الشجاعة التي تُعلن أن زمن الاستعمار، مهما تغيّر شكله، قد انتهى.

رابط دائم : https://dzair.cc/yzf7 نسخ