16 سبتمبر، 2025
ANEP الثلاثاء 16 سبتمبر 2025
×
Publicité ANEP
ANEP PN2500010

Annonce Algérie Poste
ANEP PN2500010

عندما يتحوّل كلام “السلام” إلى مسرح للتطبيع: المخزن يسمح لوفد صهيوني بحضور منتدى “نساء من أجل السلام” بالمغرب في ظل الإبادة في غزة

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
عندما يتحوّل كلام “السلام” إلى مسرح للتطبيع: المخزن يسمح لوفد صهيوني بحضور منتدى “نساء من أجل السلام” بالمغرب في ظل الإبادة في غزة

الرباط، سبتمبر 2025 – في شهر يُفترض أن يُحتفى فيه بنضال النساء من أجل السلام، استضافت مدينة الصويرة بالمغرب منتدى Women’s World Forum for Peace (المنتدى العالمي للنساء من أجل السلام)، بمشاركة وفد صهيوني رسمي، في خطوة أثارت استنكارًا واسعًا داخل المغرب وخارجه، وسط حملة احتجاج ومقاطعة من منظمات فلسطينية ومغربية.

السياق والوقائع

افتُتح المنتدى مطلع شهر سبتمبر 2025 بمدينة الصويرة المغربية تحت شعار “السلام والمساواة”. لكن البرلمان المدني الفلسطيني MACBI والحملة الفلسطينية للجامعة والثقافة (PACBI) اعتبروا المشاركة الصهيونية فيه بمثابة تبييض سياسي لجرائم الاحتلال في غزة.

البيان المشترك لحملتي التضامن وصف المنتدى بأنه “منصة للتطبيع تجاه من يواصل ارتكاب الإبادة بحق 2.3 مليون فلسطيني في غزة”، مؤكدًا أن أي خطاب عن السلام لا يجب أن يُمارس بمعزل عن مساءلة الاحتلال.

حصيلة الضحايا والمآسي على الأرض

بحسب تقارير الأمم المتحدة، ما يقرب من 70٪ من الضحايا في غزة هم نساء وأطفال. منهم 44٪ أطفالًا تحت سن الخامسة عشرة، بينما تم تدوين وفاة مجموعة كبيرة من النساء.

وأعلن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن أكثر من 12,316 فلسطينية قُتلن خلال الحرب الحالية، معظمهن ضحايا قصف مباشر أو نتيجة الجوع والتجويع.

كما نُقل عن وكالة الأناضول أن عدد الفلسطينيين القتلى والجرحى تجاوز 199,000 منذ بدء الحملة العسكرية قبل أكثر من 21 شهرًا، مع غالبيتهم من النساء والأطفال، فيما لا يزال أكثر من 9,000 في عداد المفقودين.

من حضر ومن يُمثل الاحتلال؟

لا توجد قائمة علنية مفصلة بأسماء المشاركين الإسرائيليين، لكن المنظمين تأكدوا من وجود وفد رسمي يمثل الكيان الصهيوني، كما شاركت حركات نسوية صهيونية مثل Women Wage Peace ومؤسسة Women of the Sun (قيادة ريـم حجاجرة) سابقًا في نسخ المنتدى.

في نسخ سابقة من المنتدى، مثل نسخة 2023، حضر ممثلون إسرائيليون مثل سامية عرموش ونوريت حجاغ تحت رعاية يونيسكو وغيرها من الهيئات.

ردود الفعل في المغرب والعالم العربي

منظمات PACBI وMACBI طالبت المشاركين الفلسطينيين والعرب بالانسحاب الفوري من المنتدى، معتبرة المشاركة مساهمة في تعطيل العدالة وسكوت عن جرائم الاحتلال.

تجمّعات وحشود شعبية خرجت في مدن مغربية عدة — أبرزها الرباط وطنجة — للتنديد بالعنف المستمر في غزة وطالبوا بقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني ووقف أي خطوات تطبيعية.

وسط هذه الاحتجاجات، برزت شعارات مثل: «لا للتطبيع، نعم للعدالة» و«المقاومة حق والاحتلال لا يُعترف به».

منتدى “نساء من أجل السلام”.. حين يفرش المخزن البساط لوفد الاحتلال

في الوقت الذي يواصل فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي قصفه العنيف على غزة، مستهدفًا النساء والأطفال بالقتل والتجويع والحصار، اختار المخزن أن يفتح أبواب الرباط لوفد صهيوني يشارك في منتدى “نساء من أجل السلام”. أيُّ مفارقةٍ أشدُّ قسوة من أن تجلس ممثلات عن كيان يمعن في سحق النساء الفلسطينيات على منصة تتغنّى بالسلام وحقوق المرأة؟

إن ما جرى في العاصمة المغربية لا يمكن النظر إليه كحدث بروتوكولي عابر. إنه فصل جديد من مسلسل التطبيع، الذي يضع مصالح ضيقة وحسابات سياسية قصيرة النظر فوق القيم الأخلاقية والالتزامات التاريخية تجاه القضية الفلسطينية. كيف يمكن لمنتدى يُفترض أن يكون مساحة لنصرة النساء أن يتحول إلى مسرح لتجميل صورة جلادهن؟

الوقائع على الأرض لا تحتمل المواربة: آلاف النساء الفلسطينيات قُتلن أو جُرحن منذ بداية الحرب الأخيرة على غزة، وبيوتهن دُمِّرت، وأطفالهن تُركوا يتضورون جوعًا تحت الحصار. وفي المقابل، يُقدَّم لوفد إسرائيلي منصة دولية داخل بلدٍ عربي للتحدث عن “السلام” وكأن دماء الضحايا لم تجف بعد.

الخطير في الأمر أنّ الأمر لا يقف عند حدود التطبيع السياسي، بل يتجاوز إلى محاولة صناعة وعيٍ جديد لدى الرأي العام، وفرض سرديةٍ معكوسة تُحوّل الجلاد إلى شريكٍ في “السلام”، وتُلغي الضحية من المشهد. هكذا تتحول الفعاليات الدولية إلى أدوات دعائية تُعيد إنتاج الأكاذيب، بدل أن تكون فضاءاتٍ للمساءلة والعدالة.

لقد أثار حضور الوفد الصهيوني في المنتدى غضبًا شعبيًا واسعًا داخل المغرب وخارجه، حيث اعتبره كثيرون خيانة صريحة لدماء الفلسطينيين وتواطؤًا مع آلة الاحتلال. الحركات المناهضة للتطبيع لم تتأخر في فضح هذا الانحراف، مؤكدة أن أي خطاب عن السلام لا يُقرن بمحاسبة الاحتلال على جرائمه إنما هو مجرّد ستار للتبييض.

إن استقبال الوفد الصهيوني في المغرب في هذا التوقيت تحديدًا لا يبعث إلا على رسالة واحدة: المخزن مستعد لفرش البساط الأحمر حتى لو كان ملوَّثًا بدماء الأبرياء. إنها سابقة خطيرة تعكس انهيارًا في البوصلة الأخلاقية والسياسية، وتكشف أن حسابات السلطة باتت أهم من الحق، وأن مصالح الكرسي أغلى من دماء النساء في غزة.

لقد اختار المخزن موقعه: في صفّ الجلاد. بينما اختارت الجزائر أن تبقى في صفّ الضحية، وفيةً لمبادئها الثابتة في نصرة المظلوم ورفض كل أشكال التطبيع. وشتان بين الموقفين: موقفٌ يبيع التاريخ والجغرافيا في مزادٍ رخيص، وموقفٌ يتشبث بالمبدأ مهما كانت الكلفة.

إن ما يجري ليس خلافًا سياسيًا عابرًا، بل معركة قيم. فإما أن يُقال للجلاد: كفى، أو يُترك ليصنع منابر “سلام” على أنقاض الضحايا. والتاريخ لا يرحم.

رابط دائم : https://dzair.cc/ucci نسخ