في خطوة تكشف عمق الأزمة السياسية والأخلاقية في تعاطي النظام المغربي مع قضية الصحراء الغربية، أعلن الملك محمد السادس عن إحداث يوم وطني جديد يحمل اسم “عيد الوحدة”، في إشارة إلى ما وصفه ك\باً بـ“الانتصار التاريخي” الذي تحقق عقب صدور قرار مجلس الأمن رقم 2797 (2025) بشأن الصحراء الغربية.
غير أن المتأمل في نص القرار الأممي يدرك بسرعة أن ما يحتفي به القصر الملكي ليس سوى نصرٍ متخيَّل، وأن ما يجري في الواقع هو محاولة جديدة لتزييف الوعي الجمعي المغربي عبر تحويل قرار إداري روتيني للأمم المتحدة إلى مناسبة للاحتفال بما لم يتحقق.
فالقرار الأممي المذكور لم يُحدث أي تغيير في الوضع القانوني للصحراء الغربية، التي تظل، وفق جميع قرارات الأمم المتحدة، “إقليمًا غير متمتع بالحكم الذاتي في طور التصفية الاستعمارية”. كما أن القرار، وإن أشار إلى “الجدية” في المقترح المغربي للحكم الذاتي، فإنه في الوقت ذاته أكّد على ضرورة التوصل إلى حلٍّ سياسي “عادل ودائم ومقبول من الطرفين”، وهو ما يعني ضمنًا بقاء حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره قائمةً ومحميةً قانونًا.
لكن النظام المغربي، الذي يعاني من تراجع داخلي في مؤشرات الثقة والمشروعية، وجد في هذه الصيغة الملتبسة فرصة لتغذية خطاب النصر وتكريس أسطورة “المغربية الأبدية للصحراء”. وهكذا تحوّلت اللغة الدبلوماسية المرنة للقرار الأممي إلى مادة دعائية صلبة في الإعلام الرسمي المغربي، الذي يروّج لوهم “الانتصار النهائي” في نزاع لم يُحسم بعد، لا سياسياً ولا قانونياً.
إعلان “عيد الوحدة” يأتي أيضًا في سياقٍ حساس، قبل أيام من الذكرى الخمسين لما يُعرف بـ“المسيرة الخضراء” المزعومة، التي تمثل، في الذاكرة الصحراوية والجزائرية على السواء، بداية الاحتلال الفعلي لأرضٍ كانت آخر مستعمرة إسبانية في إفريقيا. فبينما يسعى المغرب إلى إعادة تأثيث تلك الذاكرة الجماعية عبر رموز وطنية جديدة تُخفي الطابع الاستعماري لتلك العملية، تتمسّك الجزائر —دولة المواقف المبدئية كما يصفها حلفاؤها— بخطّها الثابت: دعم حق الشعوب في تقرير مصيرها دون إملاءات ولا مناورات.
إن تحويل قرارات الأمم المتحدة إلى أعياد وطنية ليس سوى انعكاسٍ لمأزق الشرعية الذي يواجهه النظام المغربي. فبدل الانخراط الجاد في مفاوضات مباشرة مع جبهة البوليساريو، كما دعت إليه قرارات مجلس الأمن المتعاقبة، يختار القصر طريق الرمزية الفارغة، مُحوِّلًا مسألة قانونية دولية إلى احتفالات سيادية داخلية لا تعكس الواقع في شيء.
وفي هذا السلوك تتجلى محاولةٌ واضحة لتثبيت ما يسميه الباحثون بـ“الاحتلال الرمزي” للأراضي المتنازع عليها، أي بناء سردية مخزنية تُقنع الداخل قبل الخارج بأن النزاع قد حُسم، رغم أن الواقع الدولي يصرّ على عكس ذلك.
أما الجزائر، فتنظر إلى هذا “العيد المزعوم” كدليل إضافي على عبثية المقاربة المغربية القائمة على الهروب إلى الأمام. فالعلاقات الجزائرية مع الأمم المتحدة ومع القوى الكبرى —وفي مقدمتها الصين وروسيا— تظلّ متمحورة حول مبدأ العدالة في العلاقات الدولية ورفض ازدواجية المعايير. ومن هذا المنطلق، تدعم الجزائر أي مسار تفاوضي يضمن ممارسة الشعب الصحراوي لحقه المشروع في الاستفتاء، وترفض بالمقابل أي محاولة لتقزيم هذا الحق تحت مسميات فضفاضة كـ“الحكم الذاتي الموسّع” أو “الحل الواقعي”.
اللافت أيضًا أن الخطاب الملكي الأخير ألغى لأول مرة الكلمة السنوية بمناسبة المسيرة الخضراء، مفضّلًا أن تُقرأ مواقفه من خلال المراسيم والبيانات الرسمية، وكأن النظام المغربي يسعى إلى تقنين احتفالاته أكثر مما يسعى إلى إقناع المجتمع الدولي بعدالة موقفه، غير الموجودة طبعاً. ذلك أن الاحتفال بالوهم لا يصنع شرعية، كما أن استبدال الحوار الحقيقي بالمناسبات الرسمية لا يقرّب الحل، بل يعمّق عزلة المغرب في محيطه المغاربي والإفريقي.
في المقابل، يواصل الشعب الصحراوي كفاحه السياسي والحقوقي بثبات، مدعومًا بمواقف قانونية واضحة من الاتحاد الإفريقي ومحكمة العدل الأوروبية، وباحتضانٍ إنساني وتاريخي من الجزائر التي فتحت أراضيها منذ نصف قرن للاجئين الصحراويين دون أن تجعل من قضيتهم ورقة مساومة.
فبينما يوزّع النظام المغربي الأعياد، يواصل الصحراويون الدفاع عن حقّهم في وطنٍ لم يعرفوا غيره إلا من خلال المنفى والمخيمات.
إن “عيد الوحدة” الذي اخترعه محمد السادس ليس سوى فصلٍ جديد في رواية طويلة من التزييف السياسي. والوحدة الحقيقية التي تحتاجها المنطقة لا تُبنى على قرارات محرّفة ولا على أوهامٍ إعلامية، بل على اعترافٍ صادق بحق الشعوب في تقرير مصيرها، كما نصّ عليه القانون الدولي، وكما ظلّت الجزائر تدافع عنه دون تردد.
وحتى يتحقق ذلك، سيبقى 31 أكتوبر بالنسبة للشعب الصحراوي يومًا آخر من الصبر والمقاومة، لا عيدًا للوحدة، بل تذكيرًا بوحدة الموقف ضد الاحتلال والتضليل.
