الأربعاء 24 ديسمبر 2025

غار جبيلات من منجم خام إلى رافعة سيادية للجزائر: رهانات اقتصادية واجتماعية تتجاوز الجنوب الغربي

نُشر في:
غار جبيلات من منجم خام إلى رافعة سيادية للجزائر: رهانات اقتصادية واجتماعية تتجاوز الجنوب الغربي

لا يُختزل مشروع استغلال منجم غارا جبيلات في كونه مجرد عملية استخراج خام الحديد من باطن الأرض، بل يمثل تحوّلًا استراتيجيًا في مقاربة الجزائر للتنمية، قائمًا على استثمار الموارد الطبيعية ضمن رؤية سيادية طويلة المدى. فمع اقتراب موعد الشروع في الاستغلال المحلي بداية من 2026، تبرز رهانات اقتصادية واجتماعية عميقة، تتجاوز البعد الجهوي لتطال المنظومة الوطنية برمتها.

أولًا: أثر اقتصادي بنيوي على المستوى الوطني

اقتصاديًا، يشكّل غارا جبيلات أحد أكبر الاحتياطات العالمية لخام الحديد، وهو ما يضع الجزائر لأول مرة منذ الاستقلال أمام إمكانية التحكم في سلسلة قيمة كاملة: من الاستخراج، إلى النقل، فالتصنيع والتحويل. هذا التحول من منطق تصدير المادة الخام إلى منطق التثمين الصناعي ينسجم مع توجه رسمي يهدف إلى تقليص التبعية للمحروقات وتنويع مصادر الدخل.

خط السكة الحديدية المنجمي تندوف–بشار، الممتد على قرابة ألف كيلومتر، ليس مجرد بنية تحتية مرافقة، بل هو العمود الفقري لهذا التحول. فهو يربط المنجم بمراكز التحويل المحتملة، ويفتح آفاقًا لتغذية الصناعات الثقيلة، وعلى رأسها الحديد والصلب، بما يعزز الأمن الصناعي ويقلّص فاتورة الاستيراد.

ثانيًا: الجنوب الغربي من الهامش إلى قلب المعادلة التنموية

على المستوى الإقليمي، يُعد المشروع قطيعة مع عقود من التهميش التنموي للجنوب الغربي. فولاية تندوف وبشار تتحولان من فضاء عبور أو هامش جغرافي إلى قطب اقتصادي واعد. فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، وتدفق الاستثمارات العمومية والخاصة، وتوسّع الشبكات اللوجستية، كلها عوامل ستُحدث ديناميكية جديدة في سوق العمل المحلي.

كما أن تحسين البنى التحتية، من طرق وسكك حديدية وشبكات طاقة ومياه، لن يخدم المشروع فقط، بل سيخلق أثرًا مضاعفًا على النشاط الاقتصادي والخدماتي والسكني، ما قد يحدّ من النزوح نحو الشمال ويعيد التوازن الجغرافي للتنمية.

ثالثًا: البعد الاجتماعي.. بين الأمل والتحدي

اجتماعيًا، يحمل المشروع وعودًا كبيرة، لكنه يطرح في المقابل تحديات لا تقل أهمية. فخلق مناصب الشغل يجب أن يُرافق بسياسات تكوين وتأهيل محلي، تضمن استفادة حقيقية لسكان المناطق المعنية، وتفادي تحويل المشروع إلى جزيرة صناعية معزولة عن محيطها الاجتماعي.

كما أن نجاح غارا جبيلات اجتماعيًا يظل رهينًا بمدى احترام المعايير البيئية، وإشراك المجتمع المحلي في آليات المتابعة والتقييم، بما يعزز الثقة ويحول المشروع إلى رافعة استقرار اجتماعي بدل مصدر توتر محتمل.

رابعًا: رسالة سيادية تتجاوز الاقتصاد

يتجاوز غارا جبيلات حسابات الربح والخسارة ليحمل رسالة سياسية-اقتصادية واضحة: الجزائر قادرة على تحويل ثرواتها الطبيعية إلى أدوات سيادة فعلية. فالشروع في الاستغلال المحلي لخام الحديد، لأول مرة منذ الاستقلال، ليس تفصيلًا تقنيًا، بل إعلان عن دخول مرحلة جديدة في إدارة الموارد الوطنية.

في المحصلة، إذا ما أُحسن تسيير المشروع، وضُمنت الشفافية والنجاعة، يمكن لغارا جبيلات أن يتحول من منجم خام إلى قاطرة تنموية شاملة، تعيد رسم الخريطة الاقتصادية للجنوب الغربي، وتمنح الاقتصاد الوطني نفسًا صناعيًا طال انتظاره.

رابط دائم : https://dzair.cc/idx2 نسخ

اقرأ أيضًا

×
Publicité ANEP
ANEP PN2500022