20 سبتمبر، 2025
ANEP السبت 20 سبتمبر 2025

فاجعة وفاة 6 نساء ضحايا الإهمال الطبّي بمستشفى أغادير تُشعل ثورة المستشفيات بالمغرب وتضع المخزن في مواجهة أمام شارع يغلي

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
فاجعة وفاة 6 نساء ضحايا الإهمال الطبّي بمستشفى أغادير تُشعل ثورة المستشفيات بالمغرب وتضع المخزن في مواجهة أمام شارع يغلي

في الأسبوع الماضي، دفعت ست نساء حياتهن ثمناً لإهمال النظام الصحي في مستشفى الحسن الثاني بأكادير، ما أشعل موجة احتجاجات شعبية واسعة. الفاجعة لم تكن مجرد حادث طبي عابر، بل كشفت عن عجز بنيوي في بنية الدولة المغربية نفسها، وعن فشل سياسي واضح في ضمان أبسط الحقوق التي يكفلها الدستور للمواطنين المغاربة، وهو الحق في العلاج.

أمام المستشفى الجهوي بأكادير خرجت مسيرات احتجاجية عبّرت عن الغضب الجماعي، حيث رفع السكان لافتات تحمل صور الضحايا وتطالب بإنقاذ ما تبقى من كرامة المرضى. مظاهر الاحتجاج امتدت إلى مدن أخرى مثل تزنيت وطاطا، رغم محاولات المنع الأمني. كثيرون اعتبروا أن ما وقع ليس مجرد خطأ إداري بل فضيحة سياسية وأمنية تستدعي محاسبة حقيقية للمسؤولين بدل الاكتفاء بتبادل الاتهامات.

وزير الصحة في حكومة المخزن أمين التهراوي سارع إلى زيارة أكادير في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي أعلن عن إجراءات ارتجالية. أقال عدداً من المسؤولين وفكّ التعاقد مع شركات خاصة للنظافة والاستقبال، معلناً ضخ 200 مليون درهم لإصلاح البنية التحتية للمستشفى. غير أن هذه القرارات بدت كإجراءات إسعافية لا تعالج جذور الأزمة، ولا تقنع الشارع المغربي بأن الدولة جادة في إصلاح قطاع يعيش على وقع الانهيار منذ سنوات.

الأرقام الرسمية نفسها تفضح الواقع. المغرب لا يتوفر سوى على ثمانية أطباء لكل عشرة آلاف نسمة، في حين توصي منظمة الصحة العالمية بضعف هذا الرقم تقريباً. أما النقص في الأطر التمريضية فيبلغ عشرات الآلاف، وهو ما يعمّق هشاشة الخدمات في كل ربوع البلاد. تقارير تقنية تشير أيضاً إلى أن ما يقارب ثلث الطاقة الاستشفائية في المستشفيات العمومية غير فعالة، بسبب سوء التدبير وانعدام الصيانة.

المشهد السياسي يزيد الطين بلة. ففي الوقت الذي يختنق فيه المواطنون أمام أبواب المستشفيات، ينشغل النظام بصفقات التطبيع مع الكيان الصهيوني وبمهرجانات التلميع الخارجي. هذا الانفصال الفج بين الأولويات الداخلية والخارجية يكشف أن المنظومة اامخزنية اختارت حماية صورتها في الخارج على حساب كرامة مواطنيها في الداخل.

الحكومة بدت مرتبكة في مواجهة هذه الفضيحة. تصريحاتها العامة حول “الإصلاحات الممنهجة” سرعان ما سقطت أمام صور النساء اللواتي لفظن أنفاسهن الأخيرة في انتظار علاج لم يأتِ. الارتجال الذي طبع قرارات وزير الصحة يعكس غياب أي رؤية استراتيجية واضحة، والاكتفاء بسياسة ردود الأفعال أمام الأزمات المتكررة.

السلطات الأمنية لم تجد ما تفعله سوى قمع المحتجين ومحاولة خنق أصوات الغاضبين. منظمات حقوقية وصفت ما جرى بأنه انتهاك صارخ لحق التظاهر والتعبير، مضيفة أن مأساة أكادير لم تكن سوى انعكاس لواقع أوسع من التهميش واللامبالاة.

الخلاصة التي يخرج بها المراقبون أن ما وقع في مستشفى الحسن الثاني ليس مجرد خلل إداري أو نقص في الإمكانيات، بل هو انعكاس لأزمة حكم كاملة. الدولة اختارت أن تستثمر في صورة “الاستقرار” أمام الخارج، لكنها فشلت في أبسط اختبار داخلي: توفير سرير ودواء لمواطنيها. وإذا كان غلاء الأسعار قادراً على تأجيج الشارع، فإن موت المرضى بسبب الإهمال الصحي يضع النظام برمته أمام امتحان وجودي، ويطرح سؤالاً صارخاً: لمن تُدار هذه البلاد، ولصالح من؟

رابط دائم : https://dzair.cc/fdvx نسخ