الأربعاء 10 ديسمبر 2025

فرنسا بين ابتزاز الصحافيين ولعبة الانفصال القذرة: حين تلتقي مضايقات باريس بمؤامرة “الماك” الإرهابية.. بقلم: معمر قاني

نُشر في:
بقلم: معمر قاني
فرنسا بين ابتزاز الصحافيين ولعبة الانفصال القذرة: حين تلتقي مضايقات باريس بمؤامرة “الماك” الإرهابية.. بقلم: معمر قاني

في مشهد يكشف انحدار باريس من خطاب “القيم الجمهورية” إلى ممارسة قسرية لا تخطئها العين، أقدمت الشرطة الفرنسية على توقيف الصحافي الجزائري مهدي غزار قرب مقرّ سكنه، قبل أن تُخليَ سبيله بعد ساعات من الاحتجاز.

هل هو حادث عابر؟ قطعًا لا، فالرجل نفسه يشتكي منذ أشهر من التضييق والملاحقات عند كل دخول وخروج عبر مطارات باريس، بلا تفسير ولا تُهم وبلا احترام لأبسط حقوق الإنسان التي لا تكفّ فرنسا عن تلقين العالم دروسًا فيها.

إدراج غزار في الملف S وملف “الأشخاص المبحوث عنهم” لم يكن سوى الحلقة الأكثر وقاحة في سلسلة تضييقات متواصلة، بدأت باقتلاعه من على أمواج إذاعة RMC لأن مواقفه بشأن الإبادة في غزة لم تعجب الحراس الجدد لـ”حرية التعبير” في باريس، إنه الثمن الذي تدفعه الأصوات الحرة حين تجرؤ على قول الحقيقة داخل دولة أدمنت احتكار السرديات، وتحولت إلى قاضٍ وجلاد في آن واحد.

الأكثر عبثية أن توقيف غزار يأتي بعد أيام فقط من الحكم الثقيل الذي صدر بحق الصحافي الفرنسي كريستوف غليز، سبع سنوات كاملة، بتهمة “الإشادة بالإرهاب”، محاكمة جرت وفق القوانين، نعم، لكنها قُدّمت للرأي العام الفرنسي كمعركة من أجل “حرية الرأي”، تناقضٌ صارخ يكشف أن الحرية في فرنسا ليست قيمة عامة، بل امتياز يُمنح ويُسحب حسب الهوية والموقف، وحسب الوجهة السياسية للريح.

من الواضح أن باريس لم تعد تكتفي بتأزيم علاقاتها الرسمية مع الجزائر؛ بل انتقلت إلى أساليب أكثر ضيقًا وضجيجًا، مستهدفة إعلاميين جزائريين في قلب العاصمة الفرنسية، فالتوقيف المتكرر لغزار لا يمكن فصله عن الأزمة المشتعلة بين البلدين منذ أكثر من عام، ولا عن محاولات فرنسا ممارسة ضغط سياسي غير معلن، مستعملة أدوات أمنية وإدارية يفترض أنها وُضعت لحماية المجتمع من تهديدات خطيرة، لا لمعاقبة الأصوات “غير المنسجمة” مع المزاج الباريسي.

هذه ليست “قفزة خاطئة” من الشرطة، ولا “خطأ تقني”، بل ممارسة منهجية تعكس نزوعًا متزايدًا لدى السلطات الفرنسية لاستخدام ملفات الاستثناء الأمني كسلاح سياسي، وكأن فرنسا تريد أن تقول للجزائر والإعلام الجزائري: “نستطيع أن نضيّق عليكم حتى داخل بيوتكم”.

هكذا، تتحوّل الجمهورية الخامسة، التي تعيش اليوم توترًا داخليًا وخارجيًا خانقًا، إلى دولة تُحاسب الصحافيين على آرائهم، وتلوّح بملفات أمنية مبهمة لترهيبهم، في وقت تواصل فيه تقديم نفسها — بوجه لا يخلو من السخرية — كحامية للحقوق والحريات.

توقيف مهدي غزار ليس حادثًا عابرًا، بل رسالة سياسية رديئة الأسلوب، فاضحة المقصد: فرنسا تمارس الابتزاز وتستخدم هاجس الأمن لتكميم الأصوات الجزائرية، في محاولة يائسة لتعويض انحسار نفوذها وارتباك سياستها الخارجية.

إنه زمن فرنسا الجديدة… فرنسا التي تُخرس الصحافيين بدل أن تحاورهم، وتلوّح بالملفات الأمنية بدل أن تواجه الحقيقة. إنها سياسة ابتزاز مكشوفة، مهما حاولت باريس تغليفها بخطاب قانوني مصطنع.

14 ديسمبر.. تاريخ مشبوه يثير ريبة الجزائر من فرنسا

تتعامل الأوساط السياسية والإعلامية في الجزائر بحساسية شديدة مع الموعد الذي أعلن عنه الإرهابي فرحات مهني في 14 ديسمبر لما يسميه زورا وبهتانا “إعلان جمهورية القبائل”، وهو إعلان تعتبره الجزائر مسرحية انفصالية خطيرة تستهدف وحدتها الوطنية واستقرارها.

ورغم أن فرنسا لم تصدر موقفًا واضحًا حيال هذه التهديدات، إلا أن صمتها، واستمرارها في توفير بيئة لنشاط مهني ومحيطه، يُقرأ في الجزائر باعتباره شكلًا من أشكال التساهل المريب.

ولأن السياسة لا تعرف الفراغ، يرى كثير من المراقبين أن التضييق على الصحافيين الجزائريين في باريس — مثل ما حدث مع مهدي غزار — ليس منفصلًا عن موقف فرنسا المتذبذب من الملف الانفصالي، فبينما تُلوّح باريس بملفات أمنية ضد إعلاميين جزائريين، يبقى مهني يتحرك بحرية، يعقد ندوات ويعلن مواعيد سياسوية خطيرة، بلا أي قيود تُذكر.

هذا التناقض يغذي شعورًا راسخًا في الجزائر بأن فرنسا تمارس ازدواجية صارخة: من جهة، تمارس تشدداً ضد الأصوات الجزائرية المزعجة لها، ثم بعد ذلك تتساهل مع أصوات تعمل ضد وحدة الدولة الجزائرية.

وهو ما يجعل كثيرين يتساءلون: كيف تُلاحق فرنسا صحافيًا لمجرد تصريحات إعلامية، بينما تتجاهل نشاطًا انفصاليًا يهدد استقرار بلد جار؟

رابط دائم : https://dzair.cc/bzoh نسخ

اقرأ أيضًا