2 سبتمبر، 2025
ANEP الثلاثاء 02 سبتمبر 2025

فرنسا في مواجهة أزمة خانقة: بين خطة التقشف وحلم حركة “فلنوقف كلّ شيء”

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
فرنسا في مواجهة أزمة خانقة: بين خطة التقشف وحلم حركة “فلنوقف كلّ شيء”

مع بداية الدخول السياسي الجديد، تدخل فرنسا مرحلة استثنائية من القلق والترقب. بلد كان يُنظر إليه طويلًا كرمز للاستقرار الديمقراطي والرفاه الاجتماعي، يجد نفسه اليوم في مواجهة أزمة اقتصادية خانقة، مأزق سياسي غير مسبوق، واحتقان اجتماعي يكاد ينفجر.

تقشف يصطدم بالمكتسبات

خطة الحكومة لتقليص المديونية جاءت كصفعة للفرنسيين: تجميد المعاشات، إلغاء يومين من العطل الرسمية، والتلويح بالمزيد من التضحيات. رئيس الوزراء فرانسوا بايرو صب الزيت على النار بتصريحه الشهير في 14 يوليو حين دعا الفرنسيين إلى “المزيد من العمل” وإلغاء عطلتين رسميتين. ورغم محاولته التراجع لاحقًا، فإن الرسالة وصلت: السلطة السياسية تبدو بعيدة عن نبض الشارع.

أزمة حكم تتعمق

المأزق ليس اقتصاديًا فقط، بل سياسيًا بامتياز. البرلمان منقسم، الثقة مفقودة، والحديث يتصاعد عن احتمال إقالة بايرو بداية سبتمبر لتفادي سحب الثقة. لكن حتى في حال تغيير الحكومة، يواجه ماكرون معضلة أكبر: غياب أغلبية مستقرة يفتح الباب أمام انتخابات مبكرة، وهو السيناريو الذي يخشاه الجميع باعتباره الأخطر على النظام السياسي برمّته.

حركة غامضة تكتسب الزخم

وسط هذا الانسداد، برزت حركة غير متوقعة تدعو إلى “فلنوقف كل شيء” يوم 10 سبتمبر. انطلقت الدعوة من موقع محسوب على تيار قومي كاثوليكي، قبل أن تتلقفها قنوات يسارية راديكالية عبر تيليغرام، لتنتشر بسرعة هائلة على المنصات الرقمية. ما يثير الانتباه أن الحركة بلا قيادة واضحة ولا مطالب محددة، بل شعار واحد مبسط: “فلنوقف كل شيء”.

هذا الغموض جعلها مفتوحة على كل التفسيرات: نسخة جديدة من “السترات الصفراء” بنَفَس أشد، أو مجرد فقّاعة رقمية ستتلاشى أمام آلة الدولة. لكن الأرقام مقلقة: استطلاع حديث كشف أن 63% من الفرنسيين يتعاطفون مع الدعوة، و58% يؤيدون فعليًا تعطيل البلد.

بين الإعلام والسياسة: معركة الروايات

وسائل الإعلام الرسمية سارعت إلى وصم الحركة تارة باليمين المتطرف وتارة باليسار الراديكالي، محاولة سحب الشرعية عنها. في المقابل، أعلن زعيم المعارضة اليسارية جان-لوك ميلونشون دعمه الكامل، واصفًا 10 سبتمبر بأنه “لحظة الحقيقة”. النقابات بدت منقسمة: بعضها دعا إلى الانخراط، بينما تمسكت أخرى بالتحفظ. لكن الزخم الرقمي على تيك توك وإكس وفيسبوك وتيليغرام يوحي بأن التعبئة قد تتجاوز الأطر التقليدية.

فرنسا أمام مفترق طرق

الأسئلة الحاسمة كثيرة: هل يتحول الغضب الرقمي إلى شلل فعلي؟ هل يبقى الاحتجاج سلميًا أم ينزلق إلى العنف؟ وكيف ستتصرف الدولة إذا وجدت نفسها أمام عصيان عام غير منظم؟

الجواب ليس واضحًا، لكن المؤكد أن السياق يضاعف هشاشة فرنسا: حكومة ضعيفة، رئيس معزول، صعود لليمين المتطرف، أزمة مديونية، تراجع القدرة الشرائية، وأزمة نفوذ خارجي من إفريقيا إلى أوكرانيا. كل ذلك يجعل من 10 سبتمبر أكثر من مجرد موعد احتجاجي؛ إنه لحظة مفصلية قد تعيد رسم ملامح المستقبل الفرنسي، وربما الأوروبي.

رابط دائم : https://dzair.cc/lfvs نسخ